عشرة حتى يتمزّق ولا تزول قدماه ، وكان من أعداء النبيّ صلىاللهعليهوسلم وفيه نزل : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) يعني لقوّته ، ويكون معنى (فِي كَبَدٍ) على هذا : في شدّة خلق ، وقيل : معنى (فِي كَبَدٍ) أنه جريء القلب غليظ الكبد (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) أي : يظنّ ابن آدم أن لن يقدر عليه ولا ينتقم منه أحد ، أو يظنّ أبو الأشدّين أن لن يقدر عليه أحد ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن مقدّر. ثم أخبر سبحانه عن مقال هذا الإنسان فقال : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) أي : كثيرا مجتمعا بعضه على بعض. قال الليث : مال لبد لا يخاف فناؤه من كثرته. قال الكلبي ومقاتل : يقول أهلكت في عداوة محمد مالا كثيرا. وقال مقاتل : نزلت في الحارث بن عامر بن نوفل ؛ أذنب فاستفتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأمره أن يكفّر ، فقال : لقد ذهب مالي في الكفّارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد. قرأ الجمهور «لبدا» بضم اللام وفتح الباء مخفّفا ، وقرأ مجاهد وحميد بضم اللام والباء مخففا. وقرأ أبو جعفر بضم اللام وفتح الباء مشدّدا. قال أبو عبيدة : لبد : فعل من التلبيد ، وهو المال الكثير بعضه على بعض. قال الزجاج : فعل للكثرة ، يقال رجل حطم : إذا كان كثير الحطم. قال الفرّاء : واحدته لبدة والجمع لبد. وقد تقدّم بيان هذا في سورة الجنّ (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) أي : أيظنّ أنه لم يعاينه أحد ، قال قتادة : أيظنّ أن الله سبحانه لم يره ولا يسأله عن ماله من أين كسبه ، وأين أنفقه؟ وقال الكلبي : كان كاذبا لم ينفق ما قال ، فقال الله : أيظنّ أن الله لم ير ذلك منه ، فعل أو لم يفعل ، أنفق أو لم ينفق.
ثم ذكر سبحانه ما أنعم به عليهم ليعتبروا فقال : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) يبصر لهما (وَلِساناً) ينطق به (وَشَفَتَيْنِ) يستر بهما ثغره. قال الزجاج : المعنى ألم نفعل به ما يدلّ على أن الله قادر على أن يبعثه ، والشفة محذوفة الهاء ، وأصلها شفهة بدليل تصغيرها على شفيهة (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) النجد : الطريق في ارتفاع. قال المفسرون : بيّنّا له طريق الخير وطريق الشرّ. قال الزجاج : المعنى ألم نعرفه طريق الخير وطريق الشرّ ، مبينتين كتبيّن الطريقين العاليتين. وقال عكرمة وسعيد بن المسيب والضحاك : النجدان : الثديان لأنهما كالطريقين لحياة الولد ورزقه ، والأوّل أولى. وأصل النجد المكان المرتفع ، وجمعه نجود ، ومنه سمّيت نجد لارتفاعها عن انخفاض تهامة ، فالنجدان : الطريقان العاليان ، ومنه قول امرئ القيس :
فريقان منهم قاطع بطن نخلة |
|
وآخر منهم قاطع نجد كبكب |
(فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) الاقتحام : الرمي بالنفس في شيء من غير روية ، يقال منه : قحم في الأمر قحوما ، أي : رمى بنفسه فيه من غير روية ، وتقحيم النفس في الشيء : إدخالها فيه من غير رويّة ، والقحمة بالضم : المهلكة. والعقبة في الأصل : الطريق التي في الجبل ؛ سمّيت بذلك لصعوبة سلوكها ، وهو مثل ضربه سبحانه لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر ، فجعله كالذي يتكلّف صعود العقبة. قال الفرّاء والزجاج : ذكر سبحانه هنا «لا» مرة واحدة ، والعرب لا تكاد تفرد لا مع الفعل الماضي في مثل هذا الموضع حتى يعيدوها