يقال : ما أدري أين طحا! ويقال : طحا به قلبه ، ومنه قول الشاعر (١) :
طحا بك قلب في الحسان طروب |
|
بعيد الشّباب عصر حان مشيب |
(وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) الكلام في «ما» هذه كما تقدّم ، ومعنى سوّاها : خلقها وأنشأها وسوّى أعضاءها. قال عطاء : يريد جميع ما خلق من الجنّ والإنس ، والتنكير للتفخيم ، وقيل : المراد نفس آدم (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) أي : عرّفها وأفهمها حالهما وما فيهما من الحسن والقبح. قال مجاهد : عرّفها طريق الفجور والتّقوى والطّاعة والمعصية. قال الفراء : فألهمها : عرّفها طريق الخير وطريق الشرّ ، كما قال : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٢). قال محمد بن كعب : إذا أراد الله بعبده خيرا ألهمه الخير فعمل به ، وإذا أراد به الشرّ ألهمه الشرّ فعمل به. قال ابن زيد : جعل فيها ذلك بتوفيقه إياها للتقوى ، وخذلانه إياها للفجور ، واختار هذا الزجاج ، وحمل الإلهام على التوفيق والخذلان. قال الواحدي : وهذا هو الوجه لتفسير الإلهام ؛ فإن التبيين والتعليم والتعريف دون الإلهام ، والإلهام : أن يوقع في قلبه ويجعل فيه ، وإذا أوقع الله في قلب عبده شيئا ألزمه ذلك الشيء. قال : وهذا صريح في أن الله خلق في المؤمن تقواه ، وفي الكافر فجوره (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) أي : قد فاز من زكّى نفسه وأنماها وأعلاها بالتقوى بكل مطلوب وظفر بكلّ محبوب ، وقد قدّمنا أن هذا جواب القسم على الرّاجح ، وأصل الزكاة : النموّ والزيادة ، ومنه زكا الزرع ؛ إذا كثر (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) أي : خسر من أضلّها وأغواها. قال أهل اللغة : دسّاها أصله دسّسها ، من التّدسيس ، وهو إخفاء الشيء في الشيء ، فمعنى دسّاها في الآية : أخفاها وأهملها ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح ، وكانت أجواد العرب تنزل الأمكنة المرتفعة ليشتهر مكانها فيقصدها الضيوف ، وكانت لئام العرب تنزل الهضاب والأمكنة المنخفضة ليخفى مكانها عن الوافدين. وقيل : معنى دساها : أغواها ، ومنه قول الشاعر :
وأنت الّذي دسّيت عمرا فأصبحت |
|
حلائله منه أرامل ضيّعا |
وقال ابن الأعرابي (وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) أي : دسّ نفسه في جملة الصالحين وليس منهم (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) الطّغوى : اسم من الطغيان ؛ كالدعوى من الدعاء. قال الواحدي : قال المفسرون : كذبت ثمود بطغيانها ، أي : الطغيان حملهم على التكذيب ، والطغيان : مجاوزة الحدّ في المعاصي ، والباء للسببية. وقيل : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) أي : بعذابها الّذي وعدت به ، وسمّي العذاب طغوى ؛ لأنه طغى عليهم ، فتكون الباء على هذا للتعدية. وقال محمد بن كعب : (بِطَغْواها) أي : بأجمعها. قرأ الجمهور : (بِطَغْواها) بفتح الطاء. وقرأ الحسن والجحدري ومحمد بن كعب وحماد بن سلمة بضم الطاء ، فعلى القراءة الأولى هو مصدر بمعنى الطغيان ، وإنما قلبت الياء والواو للفرق بين الاسم والصفة ؛ لأنهم يقلبون الياء في الأسماء كثيرا نحو تقوى وسروى ، وعلى القراءة الثانية هو مصدر كالرّجعى والحسنى ونحوهما ، وقيل : هما لغتان. (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها) العامل في الظرف كذبت ، أو بطغواها ، أي : حين قام أشقى ثمود ، وهو قدار بن
__________________
(١). هو علقمة.
(٢). البلد : ١٠.