ليلة كانت خيرا من ألف شهر لا يكون فيها من الخير والبركة ما في هذه الليلة. وقيل : أراد بقوله : ألف شهر جميع الدهر ؛ لأن العرب تذكر الألف في كثير من الأشياء على طريق المبالغة. وقيل : وجه ذكر الألف الشهر : أن العابد كان فيما مضى لا يسمّى عابدا حتى يعبد الله ألف شهر ، وذلك ثلاث وثمانون سنة وأربعة أشهر ، فجعل الله سبحانه لأمة محمد عبادة ليلة خيرا من عبادة ألف شهر كانوا يعبدونها. وقيل : إن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى أعمار أمته قصيرة ، فخاف أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله ليلة القدر وجعلها خيرا من ألف شهر لسائر الأمم ، وقيل غير ذلك مما لا طائل تحته ، وجملة (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) مستأنفة مبينة لوجه فضلها ، موضّحة للعلّة التي صارت بها خيرا من ألف شهر ، وقوله : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) يتعلّق بتنزل أو بمحذوف هو حال ، أي : متلبسين بإذن ربهم ، والإذن : الأمر ، ومعنى «تنزل» : تهبط من السماوات إلى الأرض. والروح : هو جبريل عند جمهور المفسرين ، أي : تنزل الملائكة ومعهم جبريل. ووجه ذكره بعد دخوله في الملائكة التعظيم له والتشريف لشأنه. وقيل : الرّوح صنف من الملائكة هم أشرافهم ، وقيل : هم جند من جنود الله من غير الملائكة ، وقيل : الروح : الرحمة ، وقد تقدّم الخلاف في الروح عند قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) (١) قرأ الجمهور : «تنزل» بفتح التاء ، وقرأ طلحة بن مصرّف وابن السّميقع بضمّها على البناء للمفعول ، وقوله : (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) أي : من أجل كلّ أمر من الأمور التي قضى الله بها في تلك السنة ، وقيل : إن «من» بمعنى اللام ، أي : لكلّ أمر ، وقيل : هي بمعنى الباء ، أي : بكلّ أمر ، قرأ الجمهور : «أمر» وهو واحد الأمور ، وقرأ عليّ وابن عباس وعكرمة والكلبي «امرئ» مذكر امرأة ، أي : من أجل كلّ إنسان ، وتأوّلها الكلبي على أن جبريل ينزل مع الملائكة فيسلّمون على كلّ إنسان ، فمن على هذا بمعنى على ، والأوّل أولى. وقد تمّ الكلام عند قوله : من كلّ أمر ، ثم ابتدأ فقال : (سَلامٌ هِيَ) أي : ما هي إلا سلامة وخير كلها لا شرّ فيها ، وقيل : هي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان من مؤمن أو مؤمنة. قال مجاهد : هي ليلة سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءا ولا أذى. وقال الشعبي : هو تسليم الملائكة على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرّون على كلّ مؤمن ويقولون : السلام عليك أيها المؤمن ، وقيل : يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض. قال عطاء : يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) أي حتى وقت طلوعه. قرأ الجمهور : «مطلع» بفتح اللام. وقرأ الكسائي وابن محيصن بكسرها ، فقيل : هما لغتان في المصدر ، والفتح أكثر ؛ نحو : المخرج والمقتل ، وقيل : بالفتح اسم مكان ، وبالكسر المصدر ، وقيل : العكس ، و «حتى» متعلّقة بتنزل ؛ على أنها غاية لحكم التنزل ، أي : لمكثهم في محل تنزلهم ؛ بأن لا ينقطع تنزلهم فوجا بعد فوج إلى طلوع الفجر ، وقيل : متعلقة بسلام بناء على أن الفصل بين المصدر ومعموله بالمبتدأ مغتفر.
وقد أخرج ابن الضريس وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه ، والبيهقي
__________________
(١). النبأ : ٣٨.