للمفعول ، ثم كرّر الوعيد والتهديد للتأكيد فقال : (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) أي : ثم لترونّ الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين ، وهي المشاهدة والمعاينة ، وقيل : المعنى : لترونّ الجحيم بأبصاركم على البعد منكم ، ثم لترونها مشاهدة على القرب. وقيل : المراد بالأوّل رؤيتها قبل دخولها ، والثاني رؤيتها حال دخولها ، وقيل : هو إخبار عن دوام بقائهم في النار ، أي : هي رؤية دائمة متّصلة. وقيل المعنى : لو تعلمون اليوم علم اليقين وأنتم في الدنيا لترونّ الجحيم بعيون قلوبكم ، وهو أن تتصوّروا أمر القيامة وأهوالها (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) أي عن نعيم الدنيا الّذي ألهاكم عن العمل للآخرة. قال قتادة : يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة ، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه ، ولم يشكروا ربّ النعم حيث عبدوا غيره وأشركوا به. قال الحسن : لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار. وقال قتادة : إن الله سبحانه سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه ، وهذا هو الظاهر ، ولا وجه لتخصيص النعيم بفرد من الأفراد ، أو نوع من الأنواع ؛ لأن تعريفه للجنس أو الاستغراق ، ومجرّد السؤال لا يستلزم تعذيب المسؤول على النعمة التي يسأل عنها ، فقد يسأل الله المؤمن عن النعم التي أنعم بها عليه فيم صرفها ، وبم عمل فيها؟ ليعرف تقصيره وعدم قيامه بما يجب عليه من الشكر ، وقيل : السؤال عن الأمن والصحة ، وقيل : عن الصحة والفراغ ، وقيل : عن الإدراك بالحواسّ ، وقيل : عن ملاذّ المأكول والمشروب ، وقيل : عن الغداء والعشاء ، وقيل : عن بارد الشراب وظلال المساكن ، وقيل : عن اعتدال الخلق ، وقيل : عن لذة النوم ، والأولى العموم كما ذكرنا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بردة في قوله : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) قال : نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في بني حارثة وبني الحارث تفاخروا وتكاثروا ، فقالت إحداهما : فيكم مثل فلان وفلان ، وقال الآخرون مثل ذلك. تفاخروا بالأحياء. ثم قالوا : انطلقوا بنا إلى القبور ، فجعلت إحدى الطائفتين تقول : فيكم مثل فلان يشيرون إلى القبر ، ومثل فلان ، وفعل الآخرون كذلك ، فأنزل الله : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ـ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) لقد كان لكم فيما زرتم عبرة وشغل. وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) قال : في الأموال والأولاد. وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) يعني عن الطاعة (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) يقول : حتى يأتيكم الموت (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) يعني لو دخلتم قبوركم (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) يقول : لو قد خرجتم من قبوركم إلى محشركم (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) قال : لو قد وقفتم على أعمالكم بين يدي ربكم (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) وذلك أن الصراط يوضع وسط جهنم ، فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومكدوش في نار جهنم (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) يعني شبع البطون ، وبارد الشرب ، وظلال المساكن ، واعتدال الخلق ، ولذّة النوم. وأخرج ابن مردويه عن عياض بن غنم مرفوعا نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب ، عن ابن عباس في قوله : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) قال : صحة الأبدان والأسماع والأبصار ، وهو أعلم بذلك منهم ، وهو قوله : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُ