خَلْقِكُمْ) كأنه قيل : وإن في خلقكم وما يبثّ من دابة آيات ، أو على أنها تأكيد لآيات الأولى. وقرأ الجمهور أيضا (آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) بالرّفع ، وقرأ حمزة والكسائي بنصبها مع اتفاقهم على الجرّ في «اختلاف» ، أما جرّ «اختلاف» فهو على تقرير حرف الجرّ ، أي : وفي (اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) آيات ، فمن رفع «آيات» فعلى أنها مبتدأ ، وخبرها : «في اختلاف» ، وأما النصب فهو من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين. قال الفرّاء : الرفع على الاستئناف بعد إنّ ، تقول العرب : إنّ لي عليك مالا وعلى أخيك مال ، ينصبون الثاني ويرفعونه وللنّحاة في هذا الموضع كلام طويل. والبحث في مسألة العطف على معمولي عاملين مختلفين ؛ وحجج المجوّزين له وجوابات المانعين له مقرّر في علم النّحو ، مبسوط في مطوّلاته. ومعنى (ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ) ما يفرّقه وينشره (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) تعاقبهما أو تفارقهما في الطول والقصر ، وقوله : (وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) معطوف على اختلاف ، والرزق : المطر ؛ لأنه سبب لكل ما يرزق الله العباد به ، وإحياء الأرض : إخراج نباتها ، و (مَوْتِها) خلوّها عن النبات ومعنى (تَصْرِيفِ الرِّياحِ) أنها تهب تارة من جهة ، وتارة من أخرى ، وتارة تكون حارّة ، وتارة تكون باردة ، وتارة نافعة ، وتارة ضارّة (تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ) أي : هذه الآيات المذكورة هي حجج الله وبراهينه ، ومحل : نتلوها عليك بالنصب على الحال ، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر اسم الإشارة ، وآيات الله بيان له أو بدل منه ، وقوله : (بِالْحَقِ) حال من فاعل نتلو ، أو من مفعوله ، أي : محقّين ، أو متلبسة بالحقّ ، ويجوز أن تكون الباء للسببية ، فتتعلّق بنفس الفعل (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) أي : بعد حديث الله وبعد الآيات ، فيكون من باب : أعجبني زيد وكرمه. وقيل : المراد بعد حديث الله ، وهو القرآن كما في قوله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وهو المراد بالآيات ، والعطف لمجرّد التغاير العنواني. قرأ الجمهور «تؤمنون» بالفوقية ، وقرأ حمزة والكسائي بالتحتية. والمعنى : يؤمنون بأيّ حديث ، وإنما قدّم عليه لأن الاستفهام له صدر الكلام (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) أي : لكل كذاب كثير الإثم مرتكب لما يوجبه ، والويل : واد في جهنم. ثم وصف هذا الأفاك بصفة أخرى فقال : (يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ) وقيل : إن يسمع في محل نصب على الحال ، وقيل : استئناف ، والأوّل أولى ، وقوله : (تُتْلى عَلَيْهِ) في محل نصب على الحال (ثُمَّ يُصِرُّ) على كفره ويقيم على ما كان عليه حال كونه (مُسْتَكْبِراً) أي : يتمادى على كفره متعظّما في نفسه عن الانقياد للحقّ ، والإصرار مأخوذ من إصرار الحمار على العانة (١) ، وهو أن ينحني عليها صارّا أذنيه. قال مقاتل : إذا سمع من آيات القرآن شيئا اتخذها هزوا ، وجملة (كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) في محل نصب على الحال أو مستأنفة ، وأن هي المخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير شأن محذوف (فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) هذا من باب التهكّم ؛ أي : فبشره على إصراره واستكباره وعدم استماعه إلى الآيات بعذاب شديد الألم (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً) قرأ الجمهور : «علم» بفتح العين وكسر اللام مخففة على البناء للفاعل. وقرأ قتادة
__________________
(١). «العانة» : الأتان (الحمارة)