ومطر الورّاق على البناء للمفعول. والمعنى : أنه إذا وصل إليه علم شيء من آيات الله (اتَّخَذَها) أي : الآيات (هُزُواً) وقيل : الضمير في «اتّخذها» عائد إلى «شيئا» ؛ لأنه عبارة عن الآيات ، والأوّل أولى. والإشارة بقوله : (أُولئِكَ) إلى كلّ أفّاك متّصف بتلك الصفات (لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) بسبب ما فعلوا من الإصرار والاستكبار عن سماع آيات الله واتخاذها هزوا ، والعذاب المهين هو المشتمل على الإذلال والفضيحة (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) أي : من وراء ما هم فيه من التعزّز بالدنيا والتكبّر عن الحقّ جهنّم ، فإنها من قدّامهم لأنهم متوجهون إليها ، وعبّر بالوراء عن القدّام ، كقوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) (١) وقول الشاعر :
أليس ورائي إن تراخت منيّتي (٢)
وقيل : جعلها باعتبار إعراضهم عنها كأنها خلفهم (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) أي : لا يدفع عنهم ما كسبوا من أموالهم وأولادهم شيئا من عذاب الله ، ولا ينفعهم بوجه من وجوه النفع (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) معطوف على «ما كسبوا» ، أي : ولا يغني عنهم ما اتخذوا من دون الله أولياء من الأصنام ، و «ما» في الموضعين إما مصدرية أو موصولة ، وزيادة لا في الجملة الثانية للتأكيد (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) في جهنم التي هي من ورائهم (هذا هُدىً) جملة مستأنفة من مبتدأ وخبر ، يعني هذا القرآن هدى للمهتدين به (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ) القرآنية (لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) الرجز : أشدّ العذاب. قرأ الجمهور : «أليم» بالجرّ صفة للرّجز. وقرأ ابن كثير وحفص وابن محيصن بالرفع صفة لعذاب (اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ) أي : جعله على صفة تتمكنون بها من الركوب عليه (لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ) أي : بإذنه وإقداره لكم (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بالتجارة تارة ، والغوص للدّر ، والمعالجة للصيد وغير ذلك (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي : لكي تشكروا النعم التي تحصل لكم بسبب هذا التسخير للبحر (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) أي : سخّر لعباده جميع ما خلقه في سماواته وأرضه ممّا تتعلّق به مصالحهم وتقوم به معايشهم ، وممّا سخره لهم من مخلوقات السموات ؛ الشمس والقمر والنجوم النيّرات والمطر والسحاب والرّياح ، وانتصاب جميعا على الحال من ما في السماوات وما في الأرض أو تأكيد له ، وقوله «منه» يجوز أن يتعلّق بمحذوف هو صفة لجميعا ، أي : كائنة منه ، ويجوز أن يتعلّق بسخر ، ويجوز أن يكون حالا من ما في السماوات ، أو خبر المبتدأ محذوف. والمعنى : أن كل ذلك رحمة منه لعباده (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور من التسخير (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وخصّ المتفكّرين لأنه لا ينتفع بها إلا من تفكر فيها ، فإنه ينتقل من التفكر إلى الاستدلال بها على التوحيد (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) أي : قل لهم : اغفروا يغفروا (لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) وقيل : هو على حذف اللام ، والتقدير : قل لهم ليغفروا. والمعنى : قل لهم : يتجاوزوا عن الذين لا يرجون وقائع الله بأعدائه ، أي : لا يتوقعونها ، ومعنى الرجاء هنا الخوف ، أي : هو على معناه الحقيقي. والمعنى : لا يرجون ثوابه في الأوقات التي وقّتها الله لثواب المؤمنين ، والأوّل أولى. والأيام
__________________
(١). إبراهيم : ١٦.
(٢). وعجزه : أدبّ مع الولدان أزحف كالنّسر.