يعبّر بها عن الوقائع ، كما تقدم في تفسير قوله : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) (١) قال مقاتل : لا يخشون مثل عذاب الله للأمم الخالية ، وذلك أنهم لا يؤمنون به فلا يخافون عقابه. وقيل : المعنى : لا يأملون نصر الله لأوليائه وإيقاعه بأعدائه ، وقيل : لا يخافون البعث. قيل : والآية منسوخة بآية السيف (لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «لنجزي» بالنون ؛ أي : لنجزي نحن. وقرأ باقي السبعة بالتحتية مبنيا للفاعل ، أي : ليجزي الله. وقرأ أبو جعفر وشيبة وعاصم بالتحتية مبنيا للمفعول مع نصب قوما ، فقيل : النائب عن الفاعل مصدر الفعل ، أي : ليجزي الجزاء قوما ، وقيل : إن النائب الجارّ والمجرور كما في قول الشاعر (٢) :
ولو ولدت قفيرة (٣) جرو كلب |
|
لسبّ بذلك الجرو الكلابا |
وقد أجاز ذلك الأخفش والكوفيون ، ومنعه البصريون ، والجملة لتعليل الأمر بالمغفرة ، والمراد بالقوم المؤمنون ، أمروا بالمغفرة ليجزيهم الله يوم القيامة بما كسبوا في الدنيا من الأعمال الحسنة التي من جملتها الصبر على أذية الكفار والإغضاء عنهم بكظم الغيظ واحتمال المكروه. وقيل : المعنى : ليجزي الكفار بما عملوا من السيئات ، كأنه قال : لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن ، والأوّل أولى. ثم ذكر المؤمنين وأعمالهم والمشركين وأعمالهم فقال : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) والمعنى : أن عمل كل طائفة من إحسان أو إساءة لعامله لا يتجاوزه إلى غيره وفيه ترغيب وتهديد (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) فيجازي كلا بعمله إن كان خيرا فخير ، وإن كان شرّا فشرّ.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر ، وأبو الشيخ في العظمة ، من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله : (جَمِيعاً مِنْهُ) قال : منه النور والشمس والقمر. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : كل شيء هو من الله. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر ، والحاكم وصحّحه ، والبيهقي في الأسماء والصفات ، عن طاوس قال : جاء رجل إلى عبد الله بن عمرو بن العاص فسأله : ممّ خلق الخلق؟ قال : من الماء والنور والظلمة والهواء والتراب ، قال : فممّ خلق هؤلاء؟ قال : لا أدري. ثم أتى الرجل عبد الله ابن الزبير ، فسأله فقال مثل قول عبد الله بن عمرو ، فأتى ابن عباس فسأله : ممّ خلق الخلق؟ فقال : من الماء والنور والظلمة والريح والتراب ، قال : فممّ خلق هؤلاء؟ فقرأ ابن عباس : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) فقال الرجل : ما كان ليأتي بهذا إلا رجل من أهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا) الآية قال : كان نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم يعرض عن المشركين إذا آذوه ، وكانوا يستهزئون به ويكذّبونه ، فأمره الله أن يقاتل المشركين كافة ، فكان هذا من المنسوخ.
__________________
(١). إبراهيم : ٥.
(٢). هو جرير.
(٣). «قفيرة» : أم الفرزدق.