(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦))
قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ) المراد بالكتاب التوراة وبالحكم الفهم والفقه الذي يكون بهما الحكم بين الناس وفصل خصوماتهم ، وبالنبوّة من بعثه الله من الأنبياء فيهم (وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي : المستلذات التي أحلها الله لهم ، ومن ذلك المنّ والسلوى (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) من أهل زمانهم حيث آتيناهم ما لم نؤت من عداهم من فلق البحر ونحوه ، وقد تقدّم بيان هذا في سورة الدخان (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) أي : شرائع واضحات في الحلال والحرام ، أو معجزات ظاهرات ، وقيل : العلم بمبعث النبي صلىاللهعليهوسلم وشواهد نبوّته ، وتعيين مهاجره (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي : فما وقع الاختلاف بينهم في ذلك الأمر إلا بعد مجيء العلم إليهم ببيانه وإيضاح معناه ، فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجبا لثبوته ، وقيل : المراد بالعلم يوشع بن نون ، فإنه آمن به بعضهم وكفر بعضهم ، وقيل : نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فاختلفوا فيها حسدا وبغيا ، وقيل : (بَغْياً) من بعضهم على بعض بطلب الرئاسة (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من أمر الدين ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ) الشريعة في اللغة : المذهب ، والملة ، والمنهاج ، ويقال : لمشرعة الماء ، وهي مورد شاربيه ، شريعة ، ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد ، فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله لعباده من الدين ، والجمع شرائع ، وقيل : جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين يوصلك إلى الحق (فَاتَّبِعْها) فاعمل بأحكامها في أمتك (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) توحيد الله وشرائعه لعباده ، وهم كفار قريش ومن وافقهم (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) أي : لا يدفعون عنك شيئا مما أراده الله بك إن اتبعت أهواءهم (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) أي : أنصار ينصر بعضهم بعضا. قال