وهم لا يموتون. وقيل : معنى (تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أنها تعلم بمقدار ما يستحقّه كل واحد منهم من العذاب ، وذلك بأمارات عرّفها الله بها (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) أي : مطبقة مغلقة ؛ كما تقدّم بيانه في سورة البلد ، يقال : آصدت الباب ؛ إذا أغلقته ، ومنه قول ابن قيس الرقيات :
إنّ في القصر لو دخلنا غزالا |
|
مصفقا (١) موصدا عليه الحجاب |
(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) في محل نصب على الحال من الضمير في عليهم ، أي : كائنين في عمد ممدّدة موثقين فيها ، أو في محلّ رفع على أنه خبر مبتدأ محذوف : أي هم في عمد ، أو صفة لمؤصدة ، أي : مؤصدة بعمد ممدّدة. قال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم ؛ ثم شدّت بأوتاد من حديد ، فلا يفتح عليهم باب ، ولا يدخل عليهم روح. ومعنى كون العمد ممدّدة : أنها مطوّلة ، وهي أرسخ من القصيرة. وقيل : العمد أغلال في جهنم ، وقيل : القيود. قال قتادة : المعنى هم في عمد يعذبون بها ، واختار هذا ابن جرير : قرأ الجمهور (فِي عَمَدٍ) بفتح العين والميم. قيل : هو اسم جمع لعمود. وقيل : جمع له. قال الفرّاء : هي جمع لعمود كأديم وأدم. وقال أبو عبيدة : هي جمع عماد. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بضم العين والميم ، جمع عمود. قال الفرّاء : هما جمعان صحيحان لعمود. واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الجمهور. قال الجوهري : العمود : عمود البيت ، وجمع القلة : أعمدة ، وجمع الكثرة : عمد وعمد ، وقرئ بهما. قال أبو عبيدة : العمود : كلّ مستطيل من خشب أو حديد.
وقد أخرج سعيد بن منصور وابن أبي الدنيا وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) قال : هو المشّاء بالنميمة ، المفرّق بين الجمع ، المغري بين الإخوان. وأخرج ابن جرير عنه (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ) قال : طعان (لُمَزَةٍ) قال : مغتاب. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عنه أيضا في قوله : (إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) قال : مطبقة (فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) قال : عمد من نار. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال : هي الأدهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : الأبواب هي الممدّدة. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال : أدخلهم في عمد فمدّت عليهم في أعناقهم فشدّت بها الأبواب.
* * *
__________________
(١). «صفق الباب وأصفقه» : أغلقه.