يقال : نصره على عدوّه ينصره نصرا ؛ إذا أعانه ، والاسم : النصرة ، واستنصره على عدوّه ؛ إذا سأله أن ينصره عليه ، قال الواحدي : قال المفسرون : (إِذا جاءَ) ك يا محمد (نَصْرُ اللهِ) على من عاداك ، وهم قريش (وَالْفَتْحُ) فتح مكة ، وقيل : المراد نصره صلىاللهعليهوسلم على قريش من غير تعيين ، وقيل : نصره على من قاتله من الكفار ، وقيل : هو فتح سائر البلاد ، وقيل : هو ما فتحه الله عليه من العلوم ، وعبّر عن حصول النصر والفتح بالمجيء للإيذان بأنهما متوجّهان إليه صلىاللهعليهوسلم. وقيل : إذا : بمعنى : قد ، وقيل : بمعنى إذ. قال الرازي : الفرق بين النصر والفتح ؛ أن الفتح هو تحصيل المطلوب الّذي كان منغلقا ؛ كالسبب للفتح ، فلهذا بدأ بذكر النصر وعطف عليه الفتح ؛ أو يقال النصر كمال الدين ، والفتح : إقبال الدنيا الّذي هو تمام النعمة ؛ أو يقال : النصر : الظفر ، والفتح : الجنة ، هذا معنى كلامه. ويقال : الأمر أوضح من هذا وأظهر ؛ فإن النصر : هو التأييد الّذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم والاستعلاء عليهم ، والفتح : هو فتح مساكن الأعداء ودخول منازلهم (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) أي : أبصرت الناس من العرب وغيرهم يدخلون في دين الله الّذي بعثك به جماعات فوجا بعد فوج. قال الحسن : لما فتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة قال العرب : أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم ، وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل ، فليس لكم به يدان ، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا ، أي : جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون واحدا واحدا ، واثنين اثنين ، فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام. قال عكرمة ومقاتل : أراد بالناس : أهل اليمن ، وذلك أنه ورد من اليمن سبعمائة إنسان مؤمنين. وانتصاب أفواجا على الحال من فاعل يدخلون ، ومحل قوله «يدخلون في دين الله» النصب على الحال إن كانت الرؤية بصرية ، وإن كانت بمعنى العلم فهو في محل نصب على أنه المفعول الثاني. (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) هذا جواب الشرط ، وهو العامل فيه ، والتقدير : فسبح بحمد ربك إذا جاء نصر الله. وقال مكي : العامل في إذا هو جاء ، ورجّحه أبو حيان وضعف الأوّل بأن ما جاء بعد فاء الجواب لا يعمل فيما قبلها ، وقوله : (بِحَمْدِ رَبِّكَ) في محل نصب على الحال ، أي : فقل سبحان الله متلبسا بحمده ، أو حامدا له. وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله له مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس ، وبين الحمد له على جميل صنعه له وعظيم منته عليه بهذه النعمة التي هي النصر والفتح لأمّ القرى التي كان أهلها قد بلغوا في عداوته إلى أعلى المبالغ حتى أخرجوه منها بعد أن افتروا عليه من الأقوال الباطلة ، والأكاذيب المختلفة ما هو معروف من قولهم : هو مجنون ، هو ساحر ، هو شاعر ، هو كاهن ، ونحو ذلك. ثم ضم سبحانه إلى ذلك أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بالاستغفار : أي اطلب منه المغفرة لذنبك هضما لنفسك واستقصارا لعملك ، واستدراكا لما فرط منك من ترك ما هو الأولى ، وقد كان صلىاللهعليهوسلم يرى قصوره عن القيام بحق الله ويكثر من الاستغفار والتضرّع وإن كان قد غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. وقيل : إن الاستغفار منه صلىاللهعليهوسلم ومن سائر الأنبياء هو تعبد تعبدهم الله به ، لا لطلب المغفرة لذنب كائن منهم. وقيل : إنما أمره الله سبحانه بالاستغفار تنبيها لأمته وتعريضا بهم ، فكأنهم هم المأمورون بالاستغفار. وقيل : إن الله سبحانه أمره بالاستغفار لأمته لا لذنبه. وقيل : المراد بالتسبيح هنا : الصلاة. والأولى حمله على معنى التنزيه مع ما أشرنا إليه من كون فيه معنى التعجب سرورا بالنعمة ،