وفرحا بما هيأه الله من نصر الدين ، وكبت أعدائه ونزول الذلة بهم وحصول القهر لهم. قال الحسن : أعلم الله رسوله صلىاللهعليهوسلم أنه قد اقترب أجله ؛ فأمر بالتسبيح والتوبة ليختم له في آخر عمره بالزيادة في العمل الصالح ، فكان يكثر أن يقول : «سبحانك اللهم وبحمدك اغفر لي إنك أنت التواب». قال قتادة ومقاتل : وعاش صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه السورة سنتين ، وجملة (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) تعليل لأمره صلىاللهعليهوسلم بالاستغفار ، أي : من شأنه التوبة على المستغفرين له يتوب عليهم ويرحمهم بقبول توبتهم ، وتوّاب من صيغ المبالغة ، ففيه دلالة على أنه سبحانه مبالغ في قبول توبة التائبين. وقد حكى الرازي في تفسيره اتفاق الصحابة على أن هذه السورة دلّت على نعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن عمر سألهم عن قول الله : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فقالوا : فتح المدائن والقصور ، قال : فأنت يا ابن عباس ما تقول؟ قال : قلت مثل ضرب لمحمد صلىاللهعليهوسلم نعيت له نفسه. وأخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال : لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنه من قد علمتم ، فدعاهم ذات يوم فأدخله معهم ، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلّا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قول الله عزوجل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذاك تقول يا ابن عباس؟ فقلت : لا ، فقال : ما تقول؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أعلمه الله له ، قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) فقال عمر : لا أعلم منها إلّا ما تقول. وأخرج ابن النجار عن سهل بن سعد عن أبي بكر أن سورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) حين أنزلت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن نفسه نعيت إليه. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عائشة قالت : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، وأستغفره وأتوب إليه ، فقلت : يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقال : خبرني ربي أني سأرى علامة من أمتي ، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فتح مكة (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً ـ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً)».
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن عائشة قالت : «كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهمّ وبحمدك اللهمّ اغفر لي ، يتأوّل القرآن» يعني إذا جاء نصر الله والفتح ، وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : «لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «جاء أهل اليمن هم أرقّ قلوبا ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية». وأخرج الطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال : «بينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المدينة إذ قال : الله أكبر قد جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن ، قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طاعتهم ، الإيمان يمان ، والفقه