الزجاج : الصّمد : السّند الّذي انتهى إليه السؤدد ، فلا سيد فوقه. قال الشاعر :
ألا بكّر النّاعي بخير بني أسد |
|
بعمرو بن مسعود وبالسّيّد الصّمد |
وقيل : معنى الصمد : الدائم الباقي الّذي لم يزل ولا يزول. وقيل : معنى الصمد ما ذكره بعده من أنه الّذي لم يلد ولم يولد. وقيل : هو المستغني عن كل أحد ، والمحتاج إليه كل أحد. وقيل : هو المقصود في الرغائب ، والمستعان به في المصائب ، وهذان القولان يرجعان إلى معنى القول الأوّل. وقيل : هو الّذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقيل : هو الكامل الّذي لا عيب فيه. وقال الحسن وعكرمة والضحاك وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله بن بريدة وعطاء وعطية العوفي والسدي : الصمد : هو المصمت الّذي لا جوف له ، ومنه قول الشاعر :
شهاب حروب لا تزال جياده |
|
عوابس يعلكن الشّكيم المصمّدا (١) |
وهذا لا ينافي القول الأوّل لجواز أن يكون هذا أصل معنى الصمد ، ثم استعمل في السيد المصمود إليه في الحوائج ، ولهذا أطبق على القول الأوّل أهل اللغة وجمهور أهل التفسير ، ومنه قول الشاعر :
علوته بحسام ثمّ قلت له |
|
خذها حذيف فأنت السّيّد الصّمد |
وقال الزبرقان بن بدر :
سيروا جميعا بنصف اللّيل واعتمدوا |
|
ولا رهينة إلا سيّد صمد |
وتكرير الاسم الجليل للإشعار بأن من لم يتصف بذلك فهو بمعزل عن استحقاق الألوهية ، وحذف العاطف من هذه الجملة لأنها كالنتيجة للجملة الأولى ، وقيل : إن الصمد صفة للاسم الشريف والخبر هو ما بعده ، والأوّل أولى ؛ لأن السياق يقتضي استقلال كل جملة (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) أي : لم يصدر عنه ولد ، ولم يصدر هو عن شيء ؛ لأنه لا يجانسه شيء ، ولاستحالة نسبة العدم إليه سابقا ولا حقا. قال قتادة : إن مشركي العرب قالوا : الملائكة بنات الله. وقالت اليهود : عزير ابن الله. وقالت النصارى : المسيح ابن الله ، فأكذبهم الله فقال : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) قال الرازي : قدّم ذكر نفي الولد ، مع أن الولد مقدّم للاهتمام ، لأجل ما كان يقوله الكفار من المشركين : إن الملائكة بنات الله ، واليهود : عزير ابن الله ، والنصارى : المسيح ابن الله ، ولم يدّع أحد أن له والدا ، فلهذا السبب بدأ بالأهمّ فقال : (لَمْ يَلِدْ) ثم أشار إلى الحجّة فقال : (وَلَمْ يُولَدْ) كأنه قيل : الدليل على امتناع الولد اتفاقنا على أنه ما كان ولدا لغيره ، وإنما عبّر سبحانه بما يفيد انتفاء كونه لم يلد ولم يولد في الماضي ولم يذكر ما يفيد انتفاء كونه كذلك في المستقبل لأنه ورد جوابا عن قولهم : ولد الله كما حكى الله عنهم بقوله : (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ ـ وَلَدَ اللهُ) (٢) فلما كان المقصود من
__________________
(١). «علكت الدابة اللجام» : لاكته وحرّكته. «الشكيم» : الحديد المعترضة في فم الدابة.
(٢). الصافات : ١٥١ ـ ١٥٢.