الحمل على العموم (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) أي : غلاظ عليهم كما يغلظ الأسد على فريسته ، وهو جمع شديد (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) أي : متوادّون متعاطفون ، وهو جمع رحيم ، والمعنى : أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدّة والصلابة ، ولمن وافقه الرحمة والرأفة. قرأ الجمهور برفع (أَشِدَّاءُ) و (رُحَماءُ) على أنه خبر للموصول ، أو خبر لمحمد وما عطف عليه كما تقدم. وقرأ الحسن بنصبهما على الحال أو المدح ، ويكون الخبر على هذه القراءة (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) أي : تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين ، وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر أو استئناف ، أعني قوله «تراهم». (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) أي : يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم ، وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور ، أو في محل نصب على الحال من ضمير «تراهم» ، وهكذا (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) السيما : العلامة ، وفيها لغتان المدّ والقصر ، أي : تظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة وكثرة التعبّد بالليل والنهار. وقال الضحّاك : إذا سهر الرجل أصبح مصفرا ، فجعل هذا هو السيما. وقال الزهري : مواضع السجود أشدّ وجوههم بياضا يوم القيامة. وقال مجاهد : هو الخشوع والتواضع ، وبالأوّل : أعني كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود ، قال سعيد بن جبير ومالك. وقال ابن جرير : هو الوقار. وقال الحسن : إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى ، وقيل : هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه ، وبه قال سفيان الثوري. والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى ما تقدّم من هذه الصفات الجليلة ، وهو مبتدأ وخبره قوله : (مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) أي : وصفهم الّذي وصفوا به في التوراة ووصفهم الّذي وصفوا به (فِي الْإِنْجِيلِ) وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره وللتنبيه على غرابته وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) إلخ كلام مستأنف ، أي : هم كزرع إلخ ، وقيل : هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدّم من الأوصاف ، وقيل : هو خبر ، لقوله : (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) أي : ومثلهم في الإنجيل كزرع ، قال الفراء : فيه وجهان : إن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ، يعني كمثلهم في القرآن ، فيكون الوقف على الإنجيل ، وإن شئت قلت : ذلك مثلهم في التوراة ، ثم تبتدئ : ومثلهم في الإنجيل كزرع ، قرأ الجمهور (شَطْأَهُ) بسكون الطاء ، وقرأ ابن كثير وابن ذكوان بفتحها ، وقرأ أنس ونصر بن عاصم ويحيى بن وثّاب «شطأه» كعصاه. وقرأه الجحدري وابن أبي إسحاق شطه بغير همزة ، وكلها لغات. قال الأخفش والكسائي : شطأه : أي طرفه. قال الفراء : أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا خرج. قال الزجاج : (أَخْرَجَ شَطْأَهُ) أي : نباته. وقال قطرب : الشطء : شوك السّنبل. وروي عن الفراء أيضا أنه قال : هو السنبل. وقال الجوهري : شطء الزرع والنبات : [فراخه] (١) ، والجمع أشطاء. وقد أشطأ الزرع خرج شطؤه. (فَآزَرَهُ) أي : قواه وأعانه وشدّه ، وقيل : المعنى : إن الشطء قوّى الزرع ، وقيل : إن الزرع قوّى الشطء ، ومما يدلّ على أن الشطء خروج النبات قول الشاعر :
أخرج الشّطء على وجه الثّرى |
|
ومن الأشجار أفنان الثّمر |
__________________
(١). من تفسير القرطبي (١٦ / ٢٩٤)