قرأ الجمهور (فَآزَرَهُ) بالمد. وقرأ ابن ذكوان وأبو حيوة وحميد بن قيس بالقصر ، وعلى قراءة الجمهور قول امرئ القيس :
بمحنية (١) قد آزر الضّال (٢) نبتها |
|
مجرّ جيوش غانمين وخيّب |
قال الفراء : آزرت فلانا آزره أزرا ؛ إذا قوّيته (فَاسْتَغْلَظَ) أي : صار ذلك الزرع غليظا بعد أن كان دقيقا (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) أي : فاستقام على أعواده ، والسّوق : جمع ساق. وقرأ قنبل : سؤقه بالهمزة الساكنة (يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) أي : يعجب هذا الزرع زارعه ؛ لقوته وحسن منظره ، وهذا مثل ضربه الله سبحانه لأصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وأنهم يكونون في الابتداء قليلا ، ثم يزدادون ويكثرون ويقوون كالزرع ، فإنه يكون في الابتداء ضعيفا ، ثم يقوى حالا بعد حال حتى يغلظ ساقه. قال قتادة : مثل أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم في الإنجيل أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. ثم ذكر سبحانه علّة تكثيره لأصحاب نبيه صلىاللهعليهوسلم وتقويته لهم ، فقال : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) أي : كثّرهم وقوّاهم ليكونوا غيظا للكافرين ، واللام متعلقة بمحذوف ، أي : فعل ذلك ليغيظ (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) أي : وعد سبحانه هؤلاء الذين مع محمد صلىاللهعليهوسلم أن يغفر ذنوبهم ، ويجزل أجرهم بإدخالهم الجنة ؛ التي هي أكبر نعمة وأعظم منّة.
وقد أخرج أحمد ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس قال : نحروا يوم الحديبية سبعين بدنة ، فلما صدّت عن البيت حنّت كما تحنّ إلى أولادها. وأخرج الحسن بن سفيان وأبو يعلى وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن قانع والباوردي والطبراني وابن مردويه ، قال السيوطي : بسند جيد ، عن أبي جميعة جنيد بن سبع قال : «قابلت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أوّل النهار كافرا ، وقابلت معه آخر النهار مسلما ، وفينا نزلت (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) وكنا تسعة نفر سبعة رجال وامرأتان» وفي رواية عند ابن أبي حاتم : «كنّا ثلاثة رجال وتسع نسوة». وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس (لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) قال : حين ردّوا النبي صلىاللهعليهوسلم (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بقتلكم إياهم (لَوْ تَزَيَّلُوا) يقول : لو تزيل الكفار من المؤمنين لعذّبهم الله عذابا أليما بقتلكم إياهم. وأخرج البخاري ومسلم وغير هما عن سهل بن حنيف أنه قال : يوم صفّين : [أيها الناس] (٣) اتهموا أنفسكم ، فلقد رأيتنا يوم الحديبية ، يعني الصلح الّذي كان بين النبي صلىاللهعليهوسلم وبين المشركين ، ولو نرى قتالا لقاتلنا ، فجاء عمر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى. قال : ففيم نعطي الدنيّة في ديننا ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم؟ قال : «يا بن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعني الله
__________________
(١). «المحنية» : معاطف الأودية.
(٢). «الضال» : شجرة السدر.
(٣). من صحيح مسلم (١٧٨٥)