ولعل القاف وحدها ذكرت من اسمه كقول القائل :
قلت لها قفي لنا قالت قاف
أي : أنا واقفة. وحكى الفراء والزجاج : أن قوما قالوا معنى ق : قضي الأمر وقضي ما هو كائن ، كما قيل في حم : حمّ الأمر. وقيل : هو اسم من أسماء الله أقسم به. وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن. وقال الشعبي : فاتحة السورة. وقال أبو بكر الورّاق معناه : قف عند أمرنا ونهينا ولا تتعداهما ، وقيل غير ذلك ممّا هو أضعف منه. والحق أنه من المتشابه الّذي استأثر الله بعلمه كما حققنا ذلك في فاتحة سورة البقرة ، ومعنى المجيد : أنه ذو مجد وشرف على سائر الكتب المنزلة. وقال الحسن : الكريم ، وقيل : الرفيع القدر ، وقيل : الكبير القدر ، وجواب القسم قال الكوفيون هو قوله : (بَلْ عَجِبُوا) وقال الأخفش : جوابه محذوف ، كأنه قال : ق والقرآن المجيد لتبعثن ، يدلّ عليه (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) وقال ابن كيسان جوابه : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) وقيل هو : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) بتقدير اللام ، أي : لقد علمنا ، وقيل : هو محذوف وتقديره أنزلناه إليك لتنذر ، كأنه قيل ق والقرآن المجيد أنزلناه إليك لتنذر به الناس. قرأ الجمهور قاف بالسكون. وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ونصر بن عاصم بكسر الفاء. وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء. وقرأ هارون ومحمد بن السّميع بالضم (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) بل للإضراب عن الجواب على اختلاف الأقوال ، وأن في موضع نصب على تقدير : لأن جاءهم. والمعنى : بل عجب الكفار لأن جاءهم منذر منهم وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولم يكتفوا بمجرد الشك والردّ ، بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة ، وقيل : هو إضراب عن وصف القرآن بكونه مجيدا. وقد تقدم تفسير هذا في سورة ص. ثم فسر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله : (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) وفيه زيادة تصريح وإيضاح. قال قتادة : عجبهم أن دعوا إلى إله واحد ، وقيل : تعجبهم من البعث ، فيكون لفظ (هذا) إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده من قوله : (أَإِذا مِتْنا) إلخ ، والأول أولى. قال الرازي : الظاهر أن قولهم هذا إشارة إلى مجيء المنذر ، ثم قالوا : (أَإِذا مِتْنا) وأيضا قد وجد ها هنا بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدّي معنى التعجّب ، وهو قولهم : (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) فإنه استبعاد وهو كالتعجب ، فلو كان التعجب بقولهم (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) عائدا إلى قولهم : «أإذا» لكان كالتكرار ، فإن قيل : التكرار الصريح يلزم من قولك : هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيء المنذر ، فإن تعجبهم منه علم من قوله : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ) فقولهم : (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) يكون تكرارا ، فنقول : ذلك ليس بتكرار ، بل هو تقرير ؛ لأنه لما قال بل عجبوا بصيغة الفعل وجاز أن يتعجّب الإنسان ممّا لا يكون عجبا ، كقوله : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ويقال في العرف : لا وجه لتعجّبك مما ليس بعجب ، فكأنهم لما عجبوا قيل لهم : لا معنى لتعجبكم ، فقالوا : (هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) فكيف لا نعجب منه ، ويدلّ على ذلك قوله ها هنا : (فَقالَ الْكافِرُونَ) بالفاء ، فإنها تدلّ على أنه مترتّب على ما قدّم ، قرأ الجمهور (أَإِذا مِتْنا) بالاستفهام. وقرأ ابن عامر في رواية عنه وأبو جعفر والأعمش والأعرج بهمزة واحدة ، فيحتمل الاستفهام كقراءة الجمهور ، وهمزة الاستفهام مقدّرة ، ويحتمل أن معناه الإخبار ،