والأوّل أولى (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) أي : وسبحه أعقاب الصلوات. قرأ الجمهور : (أَدْبارَ) بفتح الهمزة جمع دبر. وقرأ نافع وابن كثير وحمزة بكسرها على المصدر ، من أدبر الشيء إدبارا ؛ إذا ولى. وقال جماعة من الصحابة والتابعين : إدبار السجود الركعتان بعد المغرب ، وإدبار النجوم : الركعتان قبل الفجر. وقد اتفق القراء السبعة في إدبار النجوم أنه بكسر الهمزة كما سيأتي (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) أي : استمع ما يوحى إليك من أحوال القيامة ؛ يوم ينادي المناد ، وهو إسرافيل أو جبريل ، وقيل : استمع النداء أو الصوت أو الصيحة ، وهي صيحة القيامة ، أعني النفخة الثانية في الصور من إسرافيل ، وقيل : إسرافيل ينفخ ، وجبريل ينادي أهل المحشر ، ويقول : هلمّوا للحساب ، فالنداء على هذا في المحشر. قال مقاتل : هو إسرافيل ينادي بالحشر فيقول : يا أيها الناس هلمّوا للحساب (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) بحيث يصل النداء إلى كل فرد من أفراد أهل المحشر. قال قتادة : كنا نحدّث أنه ينادي من صخرة بيت المقدس. قال الكلبي : وهي أقرب الأرض إلى السماء باثني عشر ميلا. وقال كعب : بثمانية عشر ميلا (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) هو بدل من يوم ينادي ، يعني صيحة البعث ، و «بالحق» متعلق بالصيحة (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) أي : يوم الخروج من القبور. قال الكلبي : معنى بالحق : بالبعث. وقال مقاتل : يعني أنها كائنة حقا (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) أي : نحيي في الآخرة ونميت في الدنيا ، لا يشاركنا في ذلك مشارك ، والجملة مستأنفة لتقرير أمر البعث (وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) فنجازي كل عامل بعمله (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ) قرأ الجمهور بإدغام التاء في الشين. وقرأ الكوفيون بتخفيف الشين على حذف إحدى التاءين تخفيفا. وقرأ زيد بن عليّ : تشقق بإثبات التاءين على الأصل ، وقرئ على البناء للمفعول ، وانتصاب (سِراعاً) على أنه حال من الضمير في عنهم ، والعامل في الحال تشقق ، وقيل : العامل في الحال هو العامل في يوم ، أي : مسرعين إلى المنادي الّذي ناداهم (ذلِكَ حَشْرٌ) أي : بعث وجمع (عَلَيْنا يَسِيرٌ) هين. ثم عزّى الله سبحانه نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) يعني من تكذيبك فيما جئت به ومن إنكار البعث والتوحيد (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي : بمسلّط يجبرهم ويقهرهم على الإيمان ، والآية منسوخة بآية السيف (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) أي : من يخاف وعيدي لعصاتي بالعذاب ، وأما من عداهم فلا تشتغل بهم. ثم أمره الله سبحانه بعد ذلك بالقتال.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) قال : من نصب. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن عساكر عن جرير بن عبد الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) «صلاة الصبح» (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) «صلاة العصر». وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم ، والحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : «بتّ عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصلّى ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة فقال : يا ابن عباس ركعتان قبل صلاة الفجر إدبار النجوم وركعتان بعد المغرب إدبار السجود». وأخرج مسدّد في مسنده ، وابن المنذر وابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب قال : «سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن إدبار النجوم وإدبار السجود ، فقال : إدبار السجود ركعتان