قال ابن عباس ، رضى الله عنه ، فى قوله جل وعز : (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) يقول : هذا الكتاب تكليم (مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ) بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْحَكِيمِ (١)) فى أمره وقضائه أمر أن لا يعبد غيره (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) أنزلنا جبريل بالكتاب (بِالْحَقِ) لا بالباطل (فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢)) مخلصا له بالعبادة والتوحيد (أَلا لِلَّهِ) على الناس (الدِّينُ الْخالِصُ) الدين بلإخلاص لا يخالطه شىء (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا) عبدوا (مِنْ دُونِهِ) من دون الله كفار مكة (أَوْلِياءَ) أربابا اللات والعزى ومناة ، قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) قربى فى المنزلة والشفاعة (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) وبين المؤمنين يوم القيامة (فِي ما هُمْ فِيهِ) فى الدين (يَخْتَلِفُونَ) يخالفون (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) لا يرشد إلى دينه (مَنْ هُوَ كاذِبٌ) على الله (كَفَّارٌ (٣)) كافر بالله ، وهم اليهود وبنو مليح والمجوس ومشركو العرب (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) من الملائكة والآدميين كما قالت اليهود والنصارى ، وبنو مليح (لَاصْطَفى) لاختار (مِمَّا يَخْلُقُ) عنده فى الجنة (ما يَشاءُ) ويقال : من الملائكة (سُبْحانَهُ) نزه نفسه عن ذلك (هُوَ اللهُ الْواحِدُ) بلا ولد ولا شريك (الْقَهَّارُ (٤)) الغالب على خلقه.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) لا بالباطل (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ) يدور الليل على النهار فيكون أطول من الليل (وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ) يدور النهار على الليل ، فيكون الليل أطول من النهار (وَسَخَّرَ) ذلل (الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ضوء الشمس والقمر لبنى آدم (كُلٌ) من الشمس والقمر والليل والنهار (يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت معلوم (أَلا هُوَ الْعَزِيزُ) الذى فعل ذلك العزيز بالنقمة لمن لا يؤمن به (الْغَفَّارُ (٥)) لمن تاب من الشرك وآمن به (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) من نفس آدم وحدها (ثُمَّ جَعَلَ مِنْها) من نفس آدم (زَوْجَها) حواء خلقها من ضلع من أضلاع آدم القصرى (وَأَنْزَلَ) خلق (لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ) من البهائم والدواب (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) أصناف ذكر وأنثى ، من الضأن اثنين ذكرا وأنثى ، ومن المعز اثنين ذكرا وأنثى ، ومن الإبل اثنين ذكرا وأنثى ، ومن البقر اثنين ذكرا وأنثى ، (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) حالا من بعد نطفة وعلقة ومضغة وعظاما (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ظلمة البطن ، وظلمة الرحم ، وظلمة المشيمة (١)(ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ)
__________________
(١) انظر : تفسير ابن كثير (٤ / ٤٦) ، وزاد المسير (٧ / ١٦٣) ، والنكت والعيون للماوردى (٣ / ٤٦١).