أَخْفَيْتُمْ) يعنى بما أخفيت يا حاطب من الكتاب ، ويقال : من التصديق (وَما أَعْلَنْتُمْ) يقول : وما أعلنت يا حاطب من العذر ، ويقال : من التوحيد (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) يا معشر المؤمنين ، مثل ما فعل حاطب (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١)) فقد ترك قصد طريق الهدى (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) إن يغلب عليكم أهل مكة (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً) يتبين لكم أنهم أعداء لكم فى القتل (وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ) يمدوا إليكم (أَيْدِيَهُمْ) بالضرب (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) بالشتم والطعن (وَوَدُّوا) تمنوا كفار مكة (لَوْ تَكْفُرُونَ (٢)) أن تكفروا بالله بعد إيمانكم بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، والقرآن وهجرتكم إلى رسول الله (١).
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) بمكة إن كفرتم بالله (وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) من عذاب الله (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) يفرق بينكم وبين المؤمنين ، يوم القيامة ، ويقال : يقضى بينكم على هذا (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الخير والشر (بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ) قد كانت لك يا حاطب (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) اقتداء صالح (فِي إِبْراهِيمَ) فى قول إبراهيم (وَالَّذِينَ مَعَهُ) وفى قول الذين معه من المؤمنين (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) لقرابتهم الكفار (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) من قرابتكم ودينكم (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) من الأوثان (كَفَرْنا بِكُمْ) تبرأنا منكم ومن دينكم (وَبَدا) ظهر (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ) بالقتل والضرب (وَالْبَغْضاءُ) فى القلب (أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) حتى تقروا بوحدانية الله (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ) غير قول إبراهيم (لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) لأنه كان على موعدة وعدها إياه فلما مات على الكفر تبرأ منه ، فقال له : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ) من عذاب الله (مِنْ شَيْءٍ) ثم علمهم كيف يقولون ، فقال : قولوا (رَبَّنا) يا ربنا (عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) وثقنا (وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أقبلنا إلى طاعتك (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤)) المرجع فى الآخرة (رَبَّنا) قولوا يا ربنا (لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) بلية (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) كفار مكة ، يقولون : لا تسلطهم علينا فيظنوا أنهم على الحق ونحن على الباطل فتزيدهم بذلك جراءة علينا (وَاغْفِرْ لَنا) ذنوبنا (رَبَّنا) يا ربنا (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) بالنقمة لمن لا يؤمن بك (الْحَكِيمُ (٥)) بالنصرة لمن آمن بك (لَقَدْ كانَ لَكُمْ) لقد كان لك يا حاطب (فِيهِمْ) فى قول إبراهيم ، وفى قول الذين معه من المؤمنين (أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) اقتداء
__________________
(١) انظر : صحيح البخارى (٦ / ٦٠) ، ومستدرك الحاكم (٢ / ٤٨٥) ، والأدب المفرد للبخارى (ص ٢٣) ، وتفسير الطبرى (٢٨ / ٣٨) ، ولباب النقول (٢١٠) ، والدر المنثور (٦ / ٢٣٠) ، وزاد المسير (٨ / ٢٣٢) ، وتفسير القرطبى (١٨ / ٥٠).