إنه ليس شيء أبعد عن قلوب الرجال من تفسير القرآن ، في ذلك تحيّر الخلائق أجمعون إلّا من شاء الله ، وإنّما أراد الله بتعميمه في ذلك أن ينتهوا الى بابه ، وصراطه ، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله الى طاعة القوّم بكتابه ، والناطقين في أمره وأن يستنبطوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ثم قال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (١) ، فأمّا عن غيرهم فليس يعلم ذلك أبدا ، ولا يوجد.
وقد علمت أنّه لا يستقيم أن يكون الخلق كلهم ولاة الأمر لأنهم لا يجدون من يأتمرون عليه ، ومن يبلّغونه بأمر الله ونهيه فجعل الله الولاة خواصّ ليقتدى بهم فافهم ذلك إن شاء الله ، وإيّاك وتلاوة القرآن برأيك فإن الناس غير مشتركين في علمه كإشتراكهم فيما سواه من الأمور ، ولا قادرين على تأويله إلّا من حدّه وبابه الذي جعله الله له فافهم إن شاء الله واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله (٢).
قلت : وفيه إشارات الى أنّ المقصود علم جميع القرآن حتى المتشابه. بل جميع القرآن حتى التأويل والبطون ، وهذا هو الذي يوجب الرجوع الى من جعله الله أبوابه وصراطه كما لا يخفى على من تأمّل في هذا الخبر وغيره من الأخبار المتقدمة مضافا الى أنّ ما سمعت من الشواهد والأخبار حاكمة على هذه لو فرضنا فيها ظهورا أو إطلاقا ومعه يوهن الاستدلال بها جدّا.
وأوهن منه ما استدلّ به الشيخ الحرّ في فوائده الطوسية مضافا الى الأخبار التي قد سممعت الجواب عنها وأنّها بالدلالة على عكس مطلوبه أشبه من أن
__________________
(١) النساء : ٨٣.
(٢) المحاسن ص ٢٦٨ ، وسائل الشيعة ج ١٨ ص ١٤١ عن المحاسن.