المنتزقون (١) وعيون لا ينضبها الماتحون (٢) ومناهل لا يغيضها الواردون (٣) ومنازل لا يضلّ نهجه المسافرون ، وأعلام لا يعمى عنها السائرون وآكام لا يجوز عنها القاصدون (٤) جعله الله ريّا لعطش العلماء (٥) ، وربيعا لقلوب الفقهاء ، ومحاجّ لطرق الصلحاء (٦) ودواء ليس بعده داء ، ونورا ليس معه ظلمة ، وحبلا وثيقا عروته ، ومعقلا منيعا ذروته ، وعزّا لمن تولّاه ، وسلما لمن دخله ، وهدى لمن أئتمّ به ، وعذرا لمن انتحله ، وبرهانا لمن تكلّم به ، وشاهدا لمن خاصم به ، وفلجا لمن حاجّ به (٧) وحاملا لمن حمله ، ومطيّة لمن أعمله ، وآية لمن توسّع ، وجنّة لمن استلأم (٨) ، وعلما لمن وعى ، وحديثا لمن روى ، وحكما لمن قضى (٩).
وفي «المناقب» عن بكير بن أعين قال : قبض أبو عبد الله عليهالسلام ذراع نفسه وقال : يا بكير هذا والله جلد رسول الله صلىاللهعليهوآله وهذه والله عروق رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأعلم ما في الأرض ، وأعلم ما في الدنيا ، وأعلم ما في الآخرة ، فرأى تغيّر جماعة ، فقال : يا بكير إنّي لأعلم ذلك من كتاب الله إذ يقول : (نَزَّلْنا عَلَيْكَ
__________________
(١) لا ينزفه : أي لا يفنى مائه ولا يستفرغه المغترفون.
(٢) ولا ينضبها ـ كيكرمها ـ : أي لا ينقصها ، والماتحون جمع ماتح : نازع الماء من الحوض.
(٣) المناهل : جمع المنهل : مواضع الشرب من النهر ، ولا يغيضها من باب الإفعال : أي لا ينقصها.
(٤) آكام : جمع أكمة : وهو الموضوع المرتفع وهو دون الجبل في غلظ لا يبلغ الحجرية.
(٥) الري ـ بكسر الراء وفتحها ـ : مصدر روي يروي من باب علم : روى من الماء : أي شرب وشبع.
(٦) المحاج جمع محجة : وهي الجادة من الطريق.
(٧) الفلج بفتح الفاء ، الظفر والفوز.
(٨) الجنة بضم الجيم : ما به يتقى الضرر ، واستلأم : لبس اللامة وهي الدرع أو جميع أدوات الحرب.
(٩) نهج البلاغة تأليف السيد الرضي المتوفي سنة ٤٠٦ في ذيل خطبة ١٩٦.