فلو دلّ القرآن على جميع المعاني والمفاهيم والحقائق والوقايع والحوادث اليومية الجزئية حتى خصوص الحركات الصادرة عن خصوص أفراد الإنسان في جميع الأزمان بل ساير الشؤون والأحوال والأطوار والحركات ، والخطرات ، والإرادات ، والاقتضاءات الواقعة في جميع العوالم من الغيب ، والشهادة في الفلكيات والعنصريات ، والمركبات المعدنية ، والنباتية ، والحيوانية لفهمها أهل اللسان الذين قد أنزل الله تعالى بلسانهم الرسول والقرآن كما قال : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ) (١) ، وقال : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (٢) وقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٣) وقال : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٤).
إلى غير ذلك من الآيات والأخبار الدالّة على ذلك على أنّ المفسّرين من الخاصّة العامّة قد تصدّوا لتفسيره وتنقيره ، وتشمّروا للفحص عن تنزيله وتأويله فلم يزيدوا على ما دوّنوه من تفاسيرهم مع أنّهم ذكروا كلّ ما قيل من حقّ أو باطل ، وأين هذا من كلّ الأحكام التي ذكروا أنّ القرآن لا يستفاد منه إلّا أقل قليل من مجملاتها ، ولذا فزعوا إلى العمل بأخبار الآحاد ، بل إلى ساير الطرق الظنّية في استنباط الأحكام الشرعية ، بل أين هذا من جميع الحقائق التكوينية والحوادث الكونية المتعلقة بجميع ذرّات العالم مما كان أو يكون إلى يوم القيامة.
قلت : هذا كلّه اجتهاد في مقابل النصوص ، وجرأة في الردّ على أهل الخصوص ، وقد قال سبحانه : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ
__________________
(١) إبراهيم : ٤.
(٢) الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٥.
(٣) القمر : ١٧.
(٤) الزخرف : ٣.