والنافي لها يتمسّك بقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (١).
ثمّ إنّ كلّ واحد يسمّي الآيات الموافقة لمذهبه محكمة والآيات المخالفة لمذهبه متشابهة ، وربما آل الأمر في ترجيح بعضها على البعض الى ترجيحات خفيّة ، ووجوه ضعيفة ، فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هو المرجوع اليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا ، أليس أنّه لو جعله ظاهرا جليّا نقيّا عن هذه المتشابهات كان أقرب الى حصول الغرض (٢).
ثمّ حكى عن العلماء وجوها في فوائد المتشابهات كأنّه جعلها جوابا عن السؤال المتقدم فذكر أولا : أنّه متى كانت المتشابهات موجودة كان الوصول الى الحقّ أصعب وأشقّ ، وزيادة المشقّة توجب مزيد الثواب ، قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (٣).
وثانيا : لو كان القرآن محكما بالكلّية لما كان مطابقا إلّا لمذهب واحد ، وكان تصريحه مبطلا لكل ما سوى ذلك المذهب ، وذلك مما ينفّر أرباب المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه فالانتفاع به إنّما حصل لما كان مشتملا على المحكم والمتشابه فحينئذ يطمع صاحب كلّ مذهب أن يجد فيه ما يقوّي مذهبه ويؤثّر مقالته ، فحينئذ ينظر فيه جميع أرباب المذاهب ، ويجتهد في التأمّل فيه كلّ صاحب مذهب ، فإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسّرة للمتشابهات ، فبهذا الطريق يتخلّص المبطل عن باطله ويصل الى الحق.
__________________
(١) الشورى : ١١.
(٢) تفسير فخر الدين الرازي ج ٧ ص ١٧١.
(٣) آل عمران : ١٤٢.