متعذّر للأكثر لعدم معرفة عامّة الناس بل وخاصّتهم أيضا بالتأويل الذي لا يعلمه إلّا الله والراسخون في العلم فإناطة التبليغ ومعرفة الحقائق به نقض للغرض ، سيّما مع ما في النفوس من الانحرافات والاعوجاجات والميل الى الأهواء الباطلة والمذاهب الفاسدة التي لا تقوم بالمتشابهات عليهم الحجّة ولا تنقطع بها عنهم المعذرة.
والثاني بأنّه ممّا يقرّر أصل السؤال ويزيد في الإشكال ، فإنّ المقصد من إرسال الرسل وإنزال الكتب إنّما هو اجتماع الكلمة على الحقّ واستيصال الباطل وردع أهل الضلال ، فكيف يليق بصاحب الشريعة الإجمال في المرام والتشابه في الكلام كي يتشّبث به كلّ فريق من المبطلين ، ويأوّله على مذهبه كل مبطل من المنتحلين ، سيّما بأن يكون فتنة ومضلّة لأهل ملّته والمتدينين بدينه ، والمنقادين لأمره.
فالمراد بأرباب المذاهب المذكور في كلامه إن كان أصحاب المذاهب المتخربة في هذا الدين ففتح باب التأويل والإلحاد والاعتذار بالانحرافات الباطلة لهم شقّ لعصا كلمة الأمّة عن الحقّ الذي به يؤمنون ، وماذا بعد الحق الّا الضلال فأنّى يؤفكون.
وإن كان المراد الفرق الكافرة الّتي لم يسلموا أصلا كعبدة الأصنام وأهل الكتاب فالأمر أشنع وأفظع ، (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (١).
والثالث والرابع بأنّ مجرّد الاستعانة بدليل العقل وتحصيل مثل اللغة والنحو والأصول كيف صارت غاية مقصودة حتى أوجب قصد التوصل
__________________
(١) يونس : ٥٩.