في الأخيرين ، وأمّا الأوّل وإن قيل باشتراكه معه بأنّ كلّ واحد منهما قد يوجب تخصيص الحكم ببعض ما يتناوله اللفظ لغة ، إلّا أنّه قد فرّق بينهما بأنّ التخصيص يبيّن أن الخارج به عن العموم لم يرد المتكلم بلفظه الدلالة عليه ، والنسخ يبيّن أنّ الخارج به لم يرد التكليف به ، وإن كان قد أراد بلفظه الدلالة عليه ، وبأنّ التخصيص لا يرد على الأمر بمأمور واحد والنسخ قد يرد ، وأنّ النسخ لا يكون في نفس الأمر إلّا بخطاب من الشارع بخلاف التخصيص ، فإنّه يجوز بكل دليل عقلي أو سمعي ، ظنيّ أو قطعيّ ، وأنّ الناسخ لا بدّ أن يكون متراخيا عن المنسوخ بخلاف المخصّص فإنه يجوز أن يتقدّم العامّ ويقارنه ويتأخر عنه ، وأنّ التخصيص لا يخرج العامّ عن الإحتجاج به مطلقا في مستقبل الزمان ، لأنّه يبقى معمولا به فيما عدى صورة التخصيص بخلاف النسخ ، فإنّه قد يخرج الدليل المنسوخ حكمه عن العمل به في مستقبل الزمان بالكليّة عند ما إذا ورد النسخ بمأمور به واحد ، وأن النسخ يرفع الحكم بعد ثبوته بخلاف التخصيص ، ولذا قيل إنّ النسخ رفع والتخصيص دفع ، لكنّه بناء على الظاهر ، إذ في الحقيقة كلاهما دفع على ما قرّر في محلّه ، وأنّه يجوز نسخ شريعة بشريعة ، ولا يجوز تخصيص شريعة بشريعة أخرى ، وأنّ العامّ يجوز نسخه حتى لا يبقى منه شيء بخلاف التخصيص ، وأنّ النسخ تخصيص الحكم ببعض الأزمان ، والتخصيص قد يكون بإخراج بعض الأزمان وقد يكون بإخراج بعض الأعيان وبعض الأحوال فيكون أعمّ من النسخ ، وأنّ التخصيص يقع بالعقل والنسخ لا يقع به ، وأنّه يقع نسخ فعل
__________________
كالاستنساخ ، وبمعنى النقل والتحويل ، ومنه تناسخ المواريث والدهور ، وبمعنى الإزالة ، ومنه نسخت الشمس الظلّ ، وقد كثر استعماله في هذا المعنى في ألسنة الصحابة والتابعين فكانوا يطلقون على المخصّص والمقيّد لفظ الناسخ. (البيان في تفسير القرآن ص ٢٩٥).