وأمّا ما يقال من أنّا لا نسلّم أنّ نبوّة نبينا صلىاللهعليهوآله بل وغيره من الأنبياء عليهمالسلام لا يصحّ إلّا مع القول بالنسخ ، لاحتمال أن يكون شرع من سبقه محدودا إلى بعثته ، إذ من الجائز أنّ موسى وعيسى عليهمالسلام أمر الناس بشرعهم إلى ظهور محمد صلىاللهعليهوآله ، ثمّ بعد ذلك أمرا الناس بإتباع شرعه فبعد ظهوره زال التكليف بشرعهما وحصل التكليف بشرع محمد صلىاللهعليهوآله بمقتضى أمرهما ، ومثله لا يكون نسخا ، بل جاريا مجرى قوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (١) بل قيل : إنّ المسلمين الذين أنكروا وقوع النسخ أصلا بنوا مذهبهم على هذا الكلام ، نظرا إلى أنّه قد ثبت في القرآن أنّ موسى وعيسى بشّرا في التوراة والإنجيل بمبعث محمّد صلىاللهعليهوآله ، وأنّ بالفتح عند ظهوره يجب الرجوع إلى شرعه ، ومعه يمتنع الجزم بالنسخ.
ففيه أنّا لا نعني بالنسخ إلّا زوال الحكم الثابت سابقا ، وإبطاله بعد ثبوته والتعبّد به ، بلا فرق بين كون الحكمين في شريعة واحدة ، أو في شريعتين ، ولا بين الإخبار بزواله وعدمه ، فكلّ من الكليم والمسيح عليهمالسلام وإن بشّرا قومهما برسول يأتي من بعدهما اسمه أحمد ، وأمرا الناس باتّباع الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، إلّا أنّ هذا إخبار منهما ببطلان حكم شريعتهما بعد قدومه ، لا أنّ التديّن بشريعته صلىاللهعليهوآله من أحكام شريعتهما ، بل كونه إخبارا عن انتهاء حكم شريعتهما بشريعته لا يخرجه عن النسخ كما توهم ، بل كأنّه إختيار لأحد
__________________
(١) البقرة : ١٧٨.