لأن ما أمر به شعيب قومه من التوحيد ، وإيفاء الكيل ، والنّهي عن الصّدّ ، وإقامة الوزن بالقسط ، أكثر ممّا أمر به صالح قومه.
أو لأن شعيبا : أرسل إلى أصحاب الأيكة ، وإلى مدين ، فجمع باعتبار تعدّد المرسل إليهم وصالح عليهالسلام وحّد باعتبار الجنس.
فإن قلت : كيف قال صالح لقومه ، بعد ما أخذتهم الرجفة وماتوا : (يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي) الآية ، ومخاطبة الحيّ للميّت لا فائدة فيه؟
قلت : بل فيه فائدة ، وهي نصيحة غيره ، فإن ذلك يستعمل عرفا فيما ذكر ، لأن من نصح غيره فلم يقبل منه حتى قتل ، ويراه ناصحه فإنه يقول له : كم نصحتك فلم تقبل حتى أصابك هذا!! حثّا للسّامعين له على قبولهم النصيحة.
٢٣ ـ قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [الأعراف : ٨١].
عبّر هنا بلفظ السّرف والاسم ، وفي النّمل بلفظ الجهل والفعل تكثيرا للفائدة في التعبير عن المراد بلفظين متساويين معنى ، إذ كلّ سرف جهل ، وبالعكس ، ورعاية للفواصل في التعبير بالاسم والفعل ، إذ الفواصل هنا أسماء وهي : " للعالمين ، المرسلين ، النّاصحين" إلى آخرها.
وفي النّمل أفعال وهي : " يعلمون ، يتقون ، يبصرون" فناسب الاسم هنا ، والفعل ثمّ.
٢٤ ـ قوله تعالى : (وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) [الأعراف : ٨٢].
قاله هنا بالواو ، وفي النمل وفي العنكبوت في الموضعين بالفاء.
لأن ما هنا تقدّمه اسم هو" مسرفون" والاسم لا يناسبه التعقيب. وما في تينك تقدّمه فعل ، هو" تجهلون" ، و" تقطعون" ، و (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ،) والفعل يناسبه التعقيب ، فناسب ذكر الفاء الدّالة عليه ثمّ ، وذكر" الواو" هنا.
٢٥ ـ قوله تعالى : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) [الأعراف : ٨٨].
فيه تغليب الجمع على الواحد ، إذ منهم شعيب ، ولم يكن في ملّتهم حتى يعود إليها ، وكذا قول شعيب : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) على أن