ذكرها مع أنّ مضمونها معلوم لكل مميّز ، للتنبيه على عظم العصيان واجتنابه ، كما أنّ قوله : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ذكر مع أنه معلوم ، للتنبيه على أن الكفر ممّا يعود بسوء العاقبة عليهم ، وكرّرها مبالغة في النصح ، أو لأن" الأمّة" في الأولى للأنبياء ، وفي الثانية لأسلاف اليهود والنصارى. أو لأن الخطاب في الأولى لهم ، وفي الثانية لنا تحذيرا عن الاقتداء بهم.
٥٩ ـ قوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها.)
إن قلت : كيف قال : (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) وهو لم يزل عالما بذلك؟
قلت : هذا ونحوه باعتبار التعلّق ، والمعنى : ليتعلّق علمنا به موجودا ، أو المعنى : ليعلم رسولنا والمؤمنون ، لأنهم أخصّاؤه. أو لتميّز الثابت عن المتزلزل ، كقوله : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال : ٣٧].
٦٠ ـ قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ.)
(كانَ) للماضي وهو هنا للحال ، وتأتي في القرآن لخمسة معان :
أ ـ للحال ، ومنه : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣] ، و (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الأحزاب : ٩].
ب ـ وللماضي المنقطع ، ومنه : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) [النمل : ٤٨]. وهو الأصل في معانيها.
ج ـ وللاستقبال ومنه : (يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) [الإنسان : ٧].
د ـ وللدوام ومنه : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب : ٥١].
ه ـ وبمعنى صار ، ومنه : (كانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [ص : ٧٤].
٦١ ـ قوله تعالى : (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها.)
فإن قلت : هذا يقتضي عدم رضا النبي صلىاللهعليهوسلم بالتوجه إلى بيت المقدس ، مع أن التوجه إليه كان بأمر الله؟
قلت : المراد بالرضا هنا رضا المحبة بالطبع ، لا رضا التسليم والانقياد لأمر الله.
٦٢ ـ قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) كرّر ثلاث مرات ، لأن الأول في المسجد الحرام ، والثاني خارجه ، والثالث خارج البلد ، وعليها ينزل قوله قبل كلّ منها : (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ.)