أو أريد بالأكل الانتفاع ، كما يقال : فلان أكل ماله ، إذا انتفع به في الأكل وغيره.
١١٥ ـ قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا.)
فإن قلت : كيف قالوا ذلك مع أن مقصودهم تشبيه الربا بالبيع المتّفق على حلّه؟
قلت : جاء ذلك على طريق المبالغة ، لأنه أبلغ من اعتقادهم أن الربا حلال كالبيع ، كالتشبيه في قولهم : القمر وجه زيد ، والبحر ككفّه ، إذا أرادوا المبالغة.
أو أنّ مقصودهم أنّ البيع والربا يتماثلان من جميع الوجوه ، فساغ قياس البيع على الربا كعكسه.
١١٦ ـ قوله تعالى : (وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.)
إن قلت : كيف قال ذلك ، مع أن مرتكب الكبيرة كآكل الربا لا يخلّد في النّار؟
قلت : الخلود يقال لطول البقاء ، وإن لم يكن بصيغة التأبيد ، كما يقال : خلّد الأمير فلانا في الحبس إذا أطال حبسه.
أو المراد بقوله (وَمَنْ عادَ) العائد إلى استحلال أكل الربا ، هو بذلك كافر ، والكافر مخلّد في النّار على التأبيد.
١١٧ ـ قوله تعالى : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٨٠].
(خَيْرٌ لَكُمْ) أي : من إنظار المعسر.
فإن قلت : إنظار المعسر واجب ، والتصدّق عليه تطوّع ، فكيف يكون خيرا من الواجب؟
قلت : التّطوع المحصّل للواجب ، لما اشتمل عليه من الزيادة كما هنا أفضل من الواجب ، كما أن الزّهد في الحرام واجب ، وفي الحلال تطوّع ، والزهد في الحلال أفضل.
١١٨ ـ قوله تعالى : (ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.)
قال فيه وفي الجاثية ب (ما كَسَبَتْ) وقال في آخر النحل : (وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) وفي آخر الزمر : (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) موافقة لما قبل كل منها ، أو بعده ، أو قبله وبعده ، إذ ما هنا قبله : (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) وبعده : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ.)
وقبله في آخر النّحل : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً) ... (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.)