وبه ، أسند الإثم إليه ، لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ، كما يقال : هذا مما أبصرته عيناي ، وسمعته أذناي ، وعمله قلبي.
١٢٣ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ)
إن قلت : كيف قال في الإخفاء : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) مع أن حديث النفس لا إثم فيه ، للحديث المشهور فيه ، ولأنه لا يمكن الاحتراز منه؟.
قلت : ذلك منسوخ بقوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها.)
أو المراد بالإخفاء : العزم القاطع ، والاعتقاد الجازم.
أو ذلك إخبار بالمحاسبة لا بالمعاقبة ، فهو تعالى يخبر العباد بما أخفوا وأظهروا ، ليعلموا إحاطة علمه ، ثم يغفر أو يعذّب فضلا وعدلا.
١٢٤ ـ قوله تعالى : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ.)
قدّم المغفرة في هذه وغيرها ، إلا في المائدة فقدّم العذاب ، لأنها في المائدة نزلت في حقّ السارق والسارقة ، وعذابهما يقع في الدنيا فقدّم العذاب ، وفي غيرها قدمت المغفرة رحمة منه للعباد ، وترغيبا لهم إلى المسارعة إلى موجباتها.
١٢٥ ـ قوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ.)
إن قلت : أيّ فائدة في هذا الإخبار مع أنّ الأنبياء في أعلى درجات الإيمان؟.
قلت : فائدته أن يبيّن للمؤمنين زيادة شرف الإيمان ، حيث مدح به خواصّه ورسله ، ونظيره في الصّافّات أنه ذكر في نبيّ : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ.)
١٢٦ ـ قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ.)
فإن قلت : كيف قال ذلك مع أن (بَيْنَ) لا تضاف إلا إلى اثنين فأكثر؟.
قلت : (أَحَدٍ) هنا بمعنى الجمع الذي هو آحاد كما في قوله تعالى : (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) فكأنه قال : لا نفرّق بين آحاد من رسله.
١٢٧ ـ قوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦].
(لَها ما كَسَبَتْ) أي : في الخير (وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) أي : في الشّرّ.
فإن قلت : ما الدليل على أن الأول في الخير ، والثاني في الشرّ؟.
قلت : " اللّام" في الأول و" على" في الثاني ، لأنهما يستعملان في ذلك عند تقارنهما كما في هذه الآية ، وكما في قوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ