من نيته أن لا يرده فهو بالمنزل الذي قال الله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً).
وفيه نظر ، فإنه لو وجب رده مع اليسار لكان واجبا في ذمته قبله ، إذ اليسار ليس سببا للوجوب فإذا لم يجب بسبب الأكل لم يجب بعده. والفرق بينه وبين المضطر واضح ، فإنه لم يأكله عوضا عن شيء بخلاف ما هنا. والرواية غير واضحة الصحة (١) ، مع أنه يمكن حملها على ضرب من التأويل جمعا بين الأدلة.
وذهب بعض العامة الى عدم جواز أخذ شيء منه لا على سبيل القرض ولا على سبيل الابتداء ، لعموم قوله (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ). وفيه نظر ، فإنها عامة وما نحن فيه خاص ، وهو مقدم.
(فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) بأنهم قبضوها ، فان ذلك أبعد عن التهمة بأكل مال اليتيم وأنفى للخصومة. ومقتضى الأمر الوجوب ، وربما حمله بعضهم على الاستحباب. وقيل انه للإرشاد إلى ما هو المصلحة إذ معه لا يترتب الضمان على الوليّ لو أنكر اليتيم التسليم ولا يرد أنّه لو علم ان بترك الاشهاد يترتب الضمان وجب حذرا من تضييع المال ، لان ذلك انما علم من دليل خارج.
واستدل الشافعية بهذه الآية على ان القيم لا يصدق في دعواه انه قد دفع المال الى اليتيم إلا بالبينة. وعليه أصحابنا ، فإنهم قالوا دعوى القيم ان كانت تسليم المال الى اليتيم فلا يقبل إلا بالبينة ، وظاهر الآية صريح فيه وان كان غيره كادعاء التلف أو الإنفاق على قدر الكفاية ، فإن القول في ذلك قول القيم مع يمينه ولا يكلف البينة في هذه المواضع لتعذر إقامتها ، فإن اطلاع الشاهدين على الإنفاق في كل يوم متعسر ، ولأنه يوجب تنفر الناس عن قبول الوصاية.
وقالت الحنفية : إذا ادعى الوصي بعد بلوغ اليتيم انه قد دفع اليه المال كان مصدقا بيمينه كسائر الامناء. وفيه نظر ، فإنه أمين من جهة اليتيم ، وليس له نيابة عامة كحاكم الشرع ولإكمال الشفقة كالأب ، فلا وجه لتصديقه. وتمام ما يتعلق بذلك
__________________
(١) ففي سندها سهل بن زياد وقد عرفت غير مرة صحة السند من اجله.