يذهب الى ثبوت الحجر عليه بمجرد السفه ، الا أن يقال في ذلك حرج وضيق ، فإن أكثر الناس لا يخلو عن مثله ، إذ قلما يوجد خال عن سفه ما في تصرف أمواله ، فلو اقتضى ذلك الحجر وعدم اجزاء تصرفاته ، لزم ابتلاء الناس به مع ما فيه من الضيق فجعل أمر ذلك منوطا برأى الحاكم لأنه أعرف بوجوهه. ولعل هذا هو الموجب لتخصيص الآية ـ فتأمل فيه.
الثانية : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (اسرى ـ ٢٦).
(وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) بصرف المال فيما لا ينبغي وإنفاقه على وجه الإسراف. قال في المجمع التبذير التفريق بالإسراف ، وأصله ان يفرق كما يفرق المبذر الا انه اختص بما يكون على سبيل الإفساد ، وما كان على وجه الإصلاح لا يسمى تبذيرا وان كثر. ومقتضى ذلك أنه لو أنفق جميع ماله في وجوه الخير كالصدقات وفك الرقاب وبناء القناطر والمساجد والمدارس وأشباه ذلك وان كان ممن لا يليق بحاله ذلك كما لو كان تاجرا مثلا لا يكون تبذيرا ولا إسرافا ، واليه ذهب بعضهم.
ويؤيده ما صح عنه صلىاللهعليهوآله أنه قال لعلى عليهالسلام (١) «وأما الصدقة فجهدك حتى يقال قد أسرفت ولم تسرف» رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن الصادق في وصايا النبيصلىاللهعليهوآله.
وظاهر العلامة في التذكرة انه تبذير ، وهو قول بعض الشافعية ، لأنه إتلاف للمال ، ولظاهر النهي في قوله تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) الآية ، فان ظاهرها النهي عن هذه الأشياء.
وفيه نظر ، للمدح على إيثار الغير على النفس بل على العيال مع رضاهم كما دلت عليه سورة هل أتى ، ولا نسلم صدق التبذير على مثله ، لأنه تعالى مدح على ذلك في مواضع من القرآن ، والنهي في الآية ـ والله اعلم ـ محمول على صرف المال في الإنفاق غير اللائق بحاله ، كصرفه في الأطعمة النفيسة والثياب الفاخرة غير اللائقة
__________________
(١) روضة الكافي ٧٩ باب وصية النبي لأمير المؤمنين عليهماالسلام.