فشكت ثنتان منهن معادة ومسيكة الى رسول الله صلىاللهعليهوآله فنزلت. والنص وان كان واردا في الإماء الا أن الإجماع منعقد على أن حال الحرائر كذلك في التحريم.
(إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) تعففا ، ولعل التقييد بالشرط لكون الآية نزلت على سبب خاص (١) فوقع النهي على تلك الصفة ، لا أن الشرط مراد حتى يلزم منه جواز الإكراه عند عدم ارادة التحصن ، لأن مفهوم الشرط انما يعتبر لو لم يكن في الكلام فائدة سواه ، أو نقول إذا لم يردن التحصن لا يتأتى الإكراه ، فإنه الإلزام على خلاف مقتضى الطبع ، وأمر الطبيعة المؤاتية على البغاء لا يسمى مكرها ولا أمره إكراها.
وبالجملة مقتضى الآية تحريم الإكراه مع ارادة التحصن ، ولا يلزم من ذلك جوازه مع عدم ارادة التحصن ، فان عدم الحرمة جاز أن يكون لكون الإكراه غير مقدور ، أو نقول : غالب الحال أن الإكراه لا يحصل الا عند ارادة التحصن ، والكلام الوارد على سبيل الغالب لا يكون له مفهوم الخطاب كما يرى في قوله (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ).
ثم انا لو سلمنا أن مفهوم الشرط اقتضى الجواز فلنا أن نقول : هو مفهوم عارضه ما هو أقوى منه ، وهو الإجماع على عدم جوازه مطلقا فيضمحل الضعيف بمعارضته.
وقيل انّ «ان» بمعنى «إذ» ، لأن سبب النزول ورد على ذلك. وفي إيثار كلمة «ان» على «إذ» تنبيه على أن الباغيات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن ، وان ما وجد من معادة ومسيكة من قبيل الشاذ النادر.
(لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي من كسبهن وبيع أولادهن (وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ
__________________
(١) وفي الانتصاف المطبوع ذيل الكشاف ج ٣ ص ٢٣٩ بيان يعجبنا نقله قال وعند العبد الفقير الى الله تعالى ان فائدة ذلك والله اعلم ان يبشع عند المخاطب الوقوع فيه لكي يتيقظ انه كان ينبغي له ان يأنف من هذه الرذيلة وان لم يكن زاجر شرعي.
ووجه التبشيع عليها ان مضمون الآية النداء عليه بان أمته خير منه لأنها آثرت التحصن عن الفاحشة وهو يأبى الا إكراهها عليها ولو ابرز مكنون هذا المعنى لم يقع الزاجر من النفس موقعه وعسى هذه الآية تأخذ بالنفوس الدنية فكيف بالنفوس العربية انتهى.