فَإِنَّ اللهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي للمكرهات لا للمكره ، فان الوزر عليه (١).
ولو قيل : انه مع الإكراه لا وزر عليهن ولا اثم ، فلا حاجة الى المغفرة. أجيب بأن الإكراه في تلك الصورة جاز أن يكون دون ما اعتبرته الشريعة من الإكراه بالقتل أو بما يخاف معه التلف أو ذهاب العضو من ضرب عنيف أو غيره حتى يسلم من الإثم ، وربما قصرت عن الحد الذي يعذر فيه فتكون آئمة ـ كذا أجاب في الكشاف وهو جيد ، غير أن الظاهر المتبادر تحريم الإكراه مطلقا والغفران معه مطلقا.
وأجاب القاضي بأن الإكراه (٢) لا ينافي المؤاخذة بالذات ، ولذلك حرم على المكره القتل وأوجب عليه القصاص.
وفيه نظر ، لورود النص في الصورة المخصوصة التي ذكرها ، وان الإثم فيها يتعلق بالمباشر ، والمخرج بالنص عن عموم الحكم لا يجعل نظيرا لما عداه من الصور التي لم تثبت خروجها بنص ، على أن الإجماع منعقد على عدم الإثم في صورة الإكراه على البغي ، وقد سئله هو أيضا في أول كلامه.
ويمكن توجيه كلامه بأن الذنب من حيث هو يقتضي ترتب الإثم على فعله ، ومن ثم ترتب الإثم على القاتل مع كونه مكرها لمكان الذنب الصادر عنه ، ولكن في
__________________
(١) ويؤيد هذا المعنى ما رووه من قراءة لهن غفور رحيم رواه في الكشاف والبيضاوي وابن كثير ونثر المرجان ج ٤ ص ٦٣٠ عن ابن مسعود ورواه الطبري عن سعيد بن جبير وفي قلائد الدرر عن ابن عامر وسعيد بن جبير وفي فتح القدير عن جابر بن عبد الله وسعيد بن جبير وفي المجمع عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقال وروى ذلك عن ابى عبد الله (ع).
(٢) انظر ص ٤٦٨ ط المطبعة العثمانية وأجاب في فتح القدير بأنها وان كانت مكرهة فربما لا تخلو في تضاعيف الزنا عن شائبة مطاوعة أما بحكم الجبلة البشرية أو بكون الإلجاء قاصرا عن حد الإلجاء المزيل للاختيار انتهى والحق ان الغفران يستعمل في لسان القرآن في عدم المؤاخذة وان لم يكن ثمة اثم كما يحقق ذلك الآية ١٧٣ من سورة البقرة فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه ان الله غفور رحيم ومثله الآية ١٤٥ من سورة الانعام والآية ١١٥ من سورة النحل وفي كلام المصنف أيضا إشارة الى ذلك.