(مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) عبدا كان أو أمة ، وهو بيان لما تقدم ، (وَالَّذِينَ) مع صلته مبتدأ خبره (فَكاتِبُوهُمْ) ودخلت الفاء لتضمن معنى الشرط ، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل مضمر هذا تفسيره.
والأكثر من العلماء على أن الأمر للندب ، ونقل في المجمع انه للوجوب عن جماعة قليلة من العامة إذا طلبه العبد بقيمته أو بأكثر وعلم السيد فيه خيرا ، ولو كان بدون قيمته لم يلزم. وربما احتجوا عليه بما روي أن عمر أمر إنسانا بأن يكاتب سيرين أبا محمّد بن سيرين فأبى فضربه بالدرّة ، فلم ينكر احد من الصحابة عليه (١).
ولا يخفى ضعف هذا القول للأصل ، ولعموم قوله (٢) «لا يحل مال امرئ مسلم الا من طيب قلبه» ، ولأن طلب الكتابة كطلب بيعه ممّن يعتقه في الكفارة ، ولا قائل هناك بالوجوب فلا يجب هنا. وهذه طريقة المعاوضة أجمع [ولئلا يبطل اثر الملك].
وإطلاق الآية يقتضي جوازها حالّة ومؤجلة ، واليه ذهب جماعة من الأصحاب ووافقهم الحنفية ، واعتبر آخرون في صحتها كونها مؤجلة وهو قول الشافعية نظرا الى ان ما يقع عليه الكتابة غير حاصل حالة العقد لعجزه عن العوض حينئذ ، وانما يكون متوقعا حصوله بالكسب وهو غير معلوم الوقت ، فان ما في يد العبد لمولاه فلا تصح المعاملة عليه ، وحينئذ فلا بد من ضرب الأجل تحفظا من الجهالة ، [ولأن السلف من عهد النبي صلىاللهعليهوآله لم يعقدوا الكتابة الا على عوض مؤجل ، وهو كالإجماع على تعين الأجل منها].
وضعفه ظاهر ، إذ لا يلزم من كون ما في يده لمولاه قبل الكتابة عدم جواز كونها حاله ، إذ يجوز أن يحصل له من تملكه مال الكتابة بعد وقوعها ، ولأنهم اتفقوا على أنه يجوز العتق على مال في الحال ، وظاهر أن الكتابة مثله [والإجماع على ذلك ممنوع ، ونقل افراد خاصة لا يوجب كون جميع ما وقع كذلك ، سلمنا لكن لا يلزم البطلان في المتنازع فيه ، إذ نهاية ذلك عدم استعمالهم فيه ، وهو غير البطلان].
__________________
(١) المنتقى بشرح نيل الأوطار ج ٦ س ١٠١ أخرجه عن البخاري.
(٢) مر مصادر الحديث قبلا واللفظ هناك عن طيب نفسه.