أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).
(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) نفى تعالى عن الأصناف الثلاثة ذوي العاهات الحرج لما يقتضيه حالهم من الآفات النازلة بهم.
واختلف في المراد به ، فقيل المراد به نفي الحرج في التخلف عن الجهاد. ورده القاضي بأنه لا يلائم ما قبله وما بعده ، فان ما بعده ـ أعني قوله (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ـ صريح في نفي الحرج عن الأكل من البيوت المذكورة.
وقد يقال : وجه صحة العطف التقاء الطائفتين في أن كل واحدة منهما منفي عنه الحرج. قال في الكشاف : مثال هذا أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في شهر رمضان وحاج مفرد عن تقديم الحلق على النحر ، فتقول ليس على المسافر حرج ان يفطر ولا عليك يا حاج أن تقدم الحلق على النحر.
وقيل : المراد نفي الحرج عن مؤاكلتهم ، لما كانوا يتحرجون من مؤاكلة الأصحاء فإن الأعمى كان يتحرج عن الأكل مع الناس مخافة أن يأكل أكثر منهم وهو لا يشعر ، والأعرج أيضا يقول اني احتاج لزمانتي أن يوسع لي في المجالس فيكون عليهم مضرة والمريض يقول الناس يتأذون منى لمرضي ويتقذرونني فيفسد عليهم الطعام.
وقيل : المراد نفي الحرج في أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح ويبيح لهم التبسط فيه إذا خرج الى الغزو وخلفهم على المنازل ، مخافة ان لا يكون ذلك من طيب قلب ، كما حكي عن الحرث بن عمر (١) أنه خرج غازيا وخلف مالك بن زيد في بيته وماله ، فلما رجع رآه مجهودا فقال : ما أصابك؟ قال : لم يكن عندي شيء ولم يحل لي أن آكل من مالك.
__________________
(١) الكشاف ج ٣ ص ٢٥٦.