والجارّ متعلق ب (لا يَقُومُونَ) أي لا يقومون من المس الذي بهم من أكلهم الربا أو ب «يقوم» أو ب «يتخبط» ، فيكون نهوضهم وسقوطهم كالمصروعين ، لا لاختلال عقلهم ولكن لأن الله أربى في بطونهم ما أكلوه من الربا فأثقلهم ، تلك سيماهم يعرفون بها يوم القيامة عند أهل الموقف ، كما أن على كل عاص من معصيته علامة تليق به يعرف بها صاحبها. وقيل : الذين يخرجون من الأجداث يوفضون ، الا آكلة الربا فإنهم ينهضون ويسقطون كالمصروعين لثقلهم فلا يقدرون على الايفاض.
(ذلِكَ) العقاب النازل بهم (بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) أى بسبب انهم نظموا البيع والربا في سلك واحد نظرا الى افضائهما الى الربح فاستحلوه استحلالا.
وانما لم يقل «انما الربا مثل البيع» لأن الكلام في الربا لا في البيع ، ومن حق القائس أن يشبّه بمحل الوفاق [لأنه لم يكن المقصود انهم تمسكوا بالقياس ، بل كان غرضهم أن الربا والبيع متماثلان من جميع الوجوه المطلوبة ، فكيف يجوز تخصيص أحدهما بالحل والآخر بالحرمة ، وعلى هذا فأيهما قدم أو أخر جاز. ووجه آخر ، وهو أن قولهم ذلك] نظرا الى مبالغتهم في ذلك ، كأنهم جعلوا الربا أصلا وقانونا في الحل حتى شبهوا به البيع.
(وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) إنكار لتسويتهم بينهما وهدم لقياسهم ، من حيث ان الحل والتحريم أحكام الله ، فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه ، وليس وجود التماثل بين الشيئين كافيا في تساوى الحكم.
وفيه دلالة على أن القياس ليس بحجة ، فإنه إذا عرف التساوي ولم يثبت الحكم بل كان مختلفا فيهما علم أن التساوي بمجرده لا يثبت حكما ، بل يجوز الاختلاف فيه لحكمة يعلمها الله تعالى ولا يطلعون عليها ، وحينئذ فكل موضع ثبت فيه التساوي كذلك لم يمكن ثبوت الحكم لجواز الاختلاف. فقول صاحب الكشاف (١) «ان فيه دلالة على ان القياس يهدمه النص» مع زعمه حجيته بعد ذلك باطل.
(فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) فمن بلغه وعظ من الله وزجر بالنهي عن الربا
__________________
(١) انظر الكشاف ج ١ ص ٣٢١ ط دار الكتاب العربي.