(أَلا يَظُنُّ أُولئِكَ) المطففون ، وهو إنكار وتعجيب عظيم من حالهم في الاجتراء على التطفيف ، والظن بمعنى العلم ، أي إلا يعلمون مع وضوح الأدلة (أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ) يوم القيامة ومحاسبون على مقدار الذرة والخردلة. وفي الإشارة إليهم بأولئك مع تقدم ذكرهم قريبا تبعيد لهم عن درجة الاعتبار بل عن درجة الإنسانية.
(لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) وصفه بالعظمة باعتبار ما يقع فيه من الشدائد والمحن العظيمة ، أو أنه بمعنى الحسبان ، لأنّ من ظن الجزاء والبعث ورجح ذلك في نفسه وان لم يصل إلى حد العلم يجب أن يتحرز ويتجنب المعاصي خوفا من العقاب الذي يجوزه ويظنه فان من ظن العطب في سلوك طريق وجب أن يجتنب سلوكه حذرا من العطب.
(يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ) نصب بمبعوثون ، أو هو بدل من الجار والمجرور ، والمراد قيامهم من قبورهم. ويحتمل قيامهم يوم المحشر ، فقد روى عنه صلىاللهعليهوآله «يقوم الناس مقدار ثلاثمائة سنة من الدنيا لا يؤمر فيها بأمر».
(لِرَبِّ الْعالَمِينَ) لحكمه وأمره ، أو لحسابه وجزائه. وفي هذا الإنكار والتعجب وكلمة الظن ووصف اليوم بالعظيم وقيام الناس فيه لله خاضعين ، ووصف ذاته برب العالمين بيان بليغ لعظم الذنب وتفاقم الإثم بالتطفيف.
وقد دل على ذلك آيات كثيرة ، نحو قوله (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ).
وقد تظافرت الاخبار بذلك ، روى عنه صلىاللهعليهوآله انه قال «خمس بخمس : ما نقض العهد قوم إلا سلط الله عليهم عدوهم ، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، وما ظهرت فيهم الفاحشة الّا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا الكيل الا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة الّا حبس عنهم القطر» ونحوها.
ثم ان ظاهر الآية ترتب الوعيد على التطفيف بأي شيء كان قليلا كان أو كثيرا ، وذهب بعض علماء العامة الى أن المطفف لا يتناوله الوعيد إلا إذا بلغ تطفيفه نصاب السرقة ، ورده الأكثر ، بل قال بعضهم ان العزم عليه من الكبائر ، وهو مبنى علي ان نية المعصية بمثابة المعصية. وفيه ما فيه.