ولعل الغرض من المبالغة في أداء هذا الدين بخصوصه مع أن الدين مطلقا يجب دفعه إلى صاحبه من غير مطل وتسويف عند الطلب والقدرة إجماعا ، أن هذا الدين في محل الجحود والإنكار لعدم الكتابة والوثيقة فيه ، فأراد التحذير والتخويف من عدم دفعه إلى صاحبه.
[وقيل ان هذه الآية ناسخة للآيات المتقدمة الدالة على وجوب الكتابة والاشهاد وأخذ الرهن. وفيه نظر ، فإن الأوامر السابقة محمولة على الإرشاد ورعاية جانب الاحتياط كما عرفت. وهذه الآية محمولة على الرخصة ، فلا وجه للنسخ.] وقد يستدل بظاهر الآية على وجوب أداء كل أمانة ائتمن صاحبها الغير عليها من غير خصوصية بالرهن أو بالدين ولا بالراهن ولا بالمرتهن ، فيشمل الرهن في يد المرتهن ونحوه وحيث أن الأوامر في الآية للإرشاد ورعاية وجوب الاحتياط كما عرفت لم تكن الامانة شرطا في عدم الرهن كما قد يظهر من الآية.
(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) أيها الشهود عند إرادة إقامتها لإثبات الحق ، فان في ذلك ابطال حق المسلم ، وحرمة مال المسلم كحرمة دمه. ويمكن أن يكون الخطاب للمديونين والشهادة شهادتهم وإقرارهم على أنفسهم بالحق.
(وَمَنْ يَكْتُمْها) منكم مع علمه بالمشهود به وعدم ارتيابه فيه وتمكنه من أدائها بحيث لا يترتب على إقامتها منه ضرر (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) أي يأثم قلبه أو قلبه يأثم ، [والآثم الفاجر] وفي إضافة الإثم إلى القلب مع ان الإثم يلحق المجموع إشارة إلى ان اكتساب الإثم بكتمان الشهادة يقع بالقلب. لأن العزم على الكتمان انما يصدر منه ، واستناد الفعل إلى الجارحة التي يقع بها أبلغ ، كما تقول أبصرته بعيني وسمعته بأذني. ولأن إضافة الإثم إلى القلب أبلغ في الذم ، كما أن اضافة الايمان اليه أبلغ في المدح ، ولأن القلب هو رئيس الأعضاء والمضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وان فسدت فسد الجسد كله ، فكأنه قيل قد تمكن الإثم في أصل نفسه وملك أشرف مكان منه.