التحقيق أو خال عن وجه الصحة ، لأنه إنما هو فيما إذا كان الشيء والموضوع مما يرجع فيه إلى العرف وكان بيانه بيده. وأما إذا كان مما يرجع فيه إلى الشارع وكان بيانه بيده ، فيصح في تشخيصه وتعيينه الرجوع إلى الأصل والإطلاق ، لأنه كالشك في التحقيق والتقييد المندفع بهما جدا ، فاغتنم.
(الأمر الخامس) :
إن المراد بتداخل الأسباب المشار إليها سابقا ، هل هو تداخلها في التأثير أو هو تداخل المسببات ، فالتعبير عنها بها إنما هو للإشارة إلى العلة ، وإن عدم تداخلها مثلا إنما هو لعدم تداخل أسبابها ، أو هو تداخلها في أمر عقلي ، وهو الامتثال وكفاية إتيان المسبب مرة واحدة في خروج المكلف عن عهدة التكليف؟ فيه أقوال ثلاثة :
ذهب في العناوين إلى الأول. لكنه مما لا وجه له ، لأن تداخلها في التأثير ليس إلا اشتراكها فيه ، وهو مستلزم لاجتماع المثلين أو خروجها عن الاستقلال. وهو خلف ومحال كما بينّاه في الأمر الرابع ، فلا وجه للإعادة.
واختار السيد المحقق الطباطبائي قدسسره في فوائده الثاني ، وهو المحكي عن النراقي أيضا. لكنه مما لا وجه له أيضا ، لأن المراد بالأسباب كما عرفته هو الخطابات المسببة ، فإرادتها من لفظ المسببات ـ مع أنه خلاف ظاهره كما لا يخفى كالتكرار اللفظي ـ لا فائدة فيه جدا. وإرادة مفادها منه مستلزم لما يستلزمه الأول من أحد الأمرين الفاسدين كما لا يخفى. مع أنه حينئذ يستلزم كالأول ، لكون الخلاف في الأمر اللفظي لا العقلي ، مع أنه مما لا يساعده الأدلة. فالمصير إلى الثالث ـ كما اصطفاه بعض المحققين قدسسره وكون المسألة عقلية ـ مما لا محيص عنه ولا مجال للشبهة فيه.