بعد ذلك ، وشرع في طبعه مصحّحاً له بنفسه حتّى كاد أن يتمّه طبعاً ، وفي هذا من العناء والكدّ مالا يقوم به إلاّ ذو نفس قدسيّة ، وهمّـة عليّـة ، وما بارحه ذلك الجدّ والجهد حتّى أودى بنفسه الزكيّة ، وأتى على حياته الشريفة في ليلة النصف من شهر شوال في سنة ألف وثلاثمائة وواحد وخمسين بعد الهجرة ; لأنّ ما لا يؤلّف إلاّ في نحو عشر سنين لا يستطيع أن يتمّه أحد مصنّفاً وتصحيحاً ـ مع بقاء صحّته ـ في نحو سنتين ، ولذا اعتبر العلماء والعرفاء موته شهادة في سبيل العلم ، وسعادة في مقام العمل.
فنعم السعادة التي كانت من آماله ، والشهادة التي صارت خاتمة أعماله.
هذا ; مضافاً إلى ما أجهد به نفسه ـ منذ أوّل إدراكه ـ من التأليف والتصنيف في الفقه ، والحديث ، والأصولين ، والرجال ، والدراية ، والأخلاق .. وغيرها من أنواع العلوم الدينية ، وكفى كتابه الكبير المصنّف في فقه الشريعة الذي سمّاه :
منتهى مقاصد الأنام في نكت شرائع الإسلام
وهو يقع في ثلاثة وستين مجلّداً.
نسأل الله أن يوفّق محبّي العلم ومروّجي الشرع للقيام بطبعه ونشره ، فإنّه أهمّ كتبه عنده خاصّة والعلماء كافّة ; ليكون الكافل للعلم بعد صاحبه ، والقيّم عليه بعد وفاته ، فلعمري لقد أصبح العلم وأهله بعده لا كافل له ، والتصنيف لا قيّم عليه ، ولا حيلة لهم سوى التطفّل على موائد تأليفه وتصنيفه ، جزاه الله عن العلم وأهله أحسن جزاء ، وحشره مع المصطفى محمّد وآله الأمناء.