الشيخ المفيد ، وقدم حلب سنة ٣٩٠ ، فأقرأ في جامعها ، ثمَّ توجّه إلى طرابلس ، فأقام عند رئيسها أبي طالب محمّد بن أحمد ، وأقرأ أولاده وصنّف الشامل في الفقه أربع مجلّدات ، وكان موجوداً سنة ٤٢٠ . (١)
* ( مآثره وزعامته ) *
جمعت لسيّدنا الشريف الفضائل الكثيرة ، واكتنفته المزايا الفاضلة ، ورزقه الله خير الدنيا والآخرة كانت له الزعامة المطلقة والرئاسة الدينيّة والدنيويّة ، تولّى نقابة الشرفاء شرقاً وغرباً ، وإمارة الحاجّ ، والنظر في المظالم ، وقضاء القضاة ثلاثين سنة ، و كانت له الدراسة في علوم مختلفة ، يحضر مجلس تدريسه اُمّة كبيرة من مشايخ الحديث ، وفطاحل علم الكلام والفقه والأدب وغيرها فتخرّج من مدرسته أساتذة في فنون مختلفة ، وجهابذة في علوم كثيرة ، وكان يجري على تلامذته رزقاً ، فكان للشيخ أبي جعفر الطوسيّ كلّ شهر اثنى عشر ديناراً ، وللقاضي ابن البرّاج كلّ شهر ثمانية دنانير ، وأصاب الناس في بعض السنين قحط شديد فاحتال رجل يهوديّ على تحصيل قوت يحفظ نفسه فحضر يوماً مجلس المرتضى فاستأذنه أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم فأذن له وأمر له بجائزة تجري عليه كلّ يوم فقرأ عليه برهةً ، ثمَّ أسلم على يده ، وكان قد وقف قرية على كاغذ الفقهاء .
وكانت له ثروة عظيمة ، ومكنة قويّة ، خلّف من الأموال والأملاك ما يتجاوز عن الوصف ، حتّى قيل : كانت له قرى كثيرة يبلغ عددها ثمانين قرية ، كانت واقعةً بين بغداد وكربلا ، معمورة في الغاية ، يدخل عليه منها كلّ سنة أربعة وعشرون ألف دينار . (٢)
واطأ الخليفة أن يأخذ من الشيعة مائة ألف دينار ليجعل مذهبهم في عداد المذاهب الأربعة وترتفع التقيّة والمؤاخذة على الانتساب إليهم فقبل الخليفة فبذل لذلك من عين ماله ثمانين ألفاً وطلب من الشيعة بقيّة المال فلم يفوا به . وحكي عن تاريخ أتحاف الورى بأخبار اُمِّ القرى في حوادث سنة ٣٨٩ : أنَّ الشريف وأخاه الرضيّ حجّا في تلك السنة
________________________
(١) لسان الميزان ج ٢ ص ٢٦٧ .
(٢) راجع معجم الادباء ج ٥ ص ١٧٧ .