ومن هنا لم يحكم على الحالف بالصيغة الصريحة بانعقاد يمينه إلا أن يضم مع ذلك قرائن قطعية تدل على ذلك ، وإلا فمجرد التلفظ بصيغة اليمين لا يحكم عليه بانعقاد اليمين عليه على وجه تجب عليه الكفارة وإن علم منه إرادة الحلف الذي هو أعم من اليمين المنعقدة التي هي من كسب القلب ، وهو معنى قول المصنف وغيره : إنها تنعقد بالقصد وإنه لا بد في اليمين من النية وغير ذلك مما ذكروه في اليمين دون غيره من العقود والإيقاعات ، والتأمل فيه يشرف الفقيه على القطع بمدخلية قصد خاص في انعقاد اليمين.
ولعله لذلك أطلق في الرواية (١) أنه « لا يمين في غضب » باعتبار غلبة اثارة الغضب للحلف من دون ملاحظة العقد ، وكذا ما يحصل من اليمين بإكراه الزوجة والام والأب وغيرهما.
بل لعله إلى ذلك يرجع ما في الكفاية ، قال : « ويدخل في يمين اللغو كل يمين لفظا لم يقرن بها نيتها ، كسبق اللسان بعادة أو غير عادة ، أو جاهلا بالمعنى ، أو للغضب المسقط للقصد ، أو لمجرد النفي والإثبات كذلك ».
بل ولعله إليه يرجع ما في المسالك في شرح قول المصنف « وينعقد بالقصد » قال : « لا شبهة في انعقادها بالصيغة مع باقي الشرائط ، وإنما الغرض أنها لا تنعقد بدونه ، فالمقصد من العبارة مفهومها لا منطوقها ، ونبه بذلك على خلاف بعض العامة ، حيث حكم بانعقاد اليمين بالقسم الصريح وإن لم يقصد ، وإنما يتوقف على القصد ما ليس بصريح ، كالكناية بالحق والقدرة والكلام ونحو ذلك » خصوصا مع ملاحظة كلامه السابق على هذا ، والله العالم.
( ويصح اليمين من الكافر ) وإن كان كفره بجحود الخالق ( كما يصح من المسلم ) كما عن الشيخ وأتباعه وأكثر المتأخرين ، لإطلاق الأدلة وعمومها كتابا (٢) وسنة (٣) اللذين لا ينافيهما كفره بعد أن كان مخاطبا بفروع
_________________
(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من كتاب الايمان الحديث ١.
(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٩.
(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ و ٣٠ من كتاب الايمان.