وكيف كان فالمخالف فيها القاضي على ما حكي عنه فيحنث ، لأن الحنطة إنما تؤكل غالبا كذلك فصار كما لو قال : « لا آكل هذا الكبش » فذبحه وأكله ، ولأن الحقيقة النوعية ما تبدلت وإنما المتغير بعض أوصافها ، بخلاف ما لو صارت الحنطة حشيشا والبيض فرخا ، وكذا الحكم فيما لو قال : « لا آكل الرطب » فصار تمرا ، والبسر فصار رطبا ، والعنب فصار زبيبا ، أو « لا أشرب من هذا العصير » فصار خلا.
وذكر أنه باحث الشيخ في ذلك ، وأورد عليه أن عين الحنطة باقية ، وإنما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن ، فأجابه بأن متعلق اليمين مسمى الحنطة ، والدقيق لا يسمى حنطة ، كما أن الخبز لا يسمى دقيقا ، فألزمه بأن من حلف لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح ثم قشره وقطعه وأكله لا يحنث ، ولا شبهة في أنه يحنث ، فالتزم بمثل ذلك في الخيار والتفاح.
وفيه وضوح الفرق بعدم خروجهما عن مسماهما بالتقطيع الذي لم يحدث به لهما اسم زائد على كونه خيارا مقطعا ، بخلاف الحنطة المطحونة التي لا تسمى حنطة لغة ولا عرفا إلا على وجه المجاز ، وبقاء الحقيقة لا ينافي تغير الاسم الذي هو المدار ، وبهذا حصل الفرق.
وعن الفاضل في المختلف أنه حقق المسألة بما محصله يرجع إلى اختيار القاضي في الحنطة والدقيق ، دون الرطب إذا صار تمرا والعنب زبيبا ونحو ذلك ، والفرق أن ما يصلح للأكل حالة اليمين على حالته التي هو عليها يتعلق به التحريم على تلك الحالة دون غيرها مما ينتقل إليها عن اسمه الأول ، وما لا يؤكل على تلك الحالة يتعلق به التحريم على حالة يؤكل ، كالحنطة والدقيق ، فيحنث بأكلهما خبزا.
قلت : لا إشكال في الحنث مع فرض إرادته أكلها على الوجه الذي تؤكل معه ، كما لعله المتعارف في الإطلاق عرفا إنما الكلام في الحنث مع قصده كون عنوان الحلف مصداق اللفظ ، ولا ريب في أن التحقيق ما ذكره الشيخ ،