فيجتمع الجهرية والاخفاتية ... لأن الاخبار المفسرة للآية مع تكثرها لم تناف ما قلناه فيها لان كلا من الجهر والاخفات المنهى عنهما لا مراد بهما ما نهى عنهما من الفرطين ففي معتبرة إسحاق بن عمار عن ابى عبد الله عليهالسلام كما فى تفسير القمى فى تلك الآية قال : ( الجهر بها رفع الصوت والتخافت ما لم تسمع بأذنك واقرأ ما بين ذلك ) وفيه بهذا الاسناد عنه عليهالسلام قال : ( الاجهار رفع الصوت عاليا والاخفات ما لم تسمع نفسك ).
وفيه ايضا عن ابى جعفر عليهالسلام قال : ( الاجهار ان ترفع صوتك يسمعه من بعد عنك والاخفات ان لا يسمع من معك الا يسيرا ويمكن حمل هذا الخبر على بيان الاقصى من الجهر الجائز وكذا الاخفات فى خبر سماعة بن مهران على ما فى العياشى عن ابى عبد الله عليهالسلام فى قوله ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها )
قال : ( المخافتة دون سمعك والجهر ان ترفع صوتك شديدا ) فيكون ما بينهما شاملا للجهر الواجب فى الجهرية وكذا الاخفات الواجب فى الاخفاتية والتفصيل مرجوع الى الدليل ... انتهى كلامه اعلى الله تعالى مقامه (١).
أقول : ويمكن التصريح بعموم هذا الحكم لغير الكون فى الصلاة فيشمل من قرأ فى غير الصلاة على حد سواء وهو المستفاد من الآية الثانية والتى سبق ان ذكرناها وهى قوله تعالى : ( اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ) ( الاسراء ـ ٢٠٦ ) حيث قوله تبارك وتعالى :
( وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ ) ففيه من الاشعار بذلك صريحا كما لا يخفى على من له أدنى مسكة وبه صريح جمع من المفسرين كما يظهر من عبارة شيخ الطائفة فى التبيان فى قوله : وقوله ( ودون الجهر ) يعنى دعاء باللسان فى خفاء الاجهار (٢).
__________________
(١) الفرحة الانسية ص ٩٧ ط النجف الاشرف المطبعة المرتضوية سنة ١٣٤٥ ه
(٢) التبيان ج ٥ ص ٦٩