علي بن الحسين ، إنّي لستُ قاتل أبيك ! فما يمنعك من السير إلينا ؟!
فأجابه عليهالسلام : « إنّ قاتل أبي أفسد ـ بما فعله ـ دنياه عليه ، وأفسد أبي عليه آخرته. فإن أحببت أن تكون هو فكن.. » (١).
ويبدو من هذه السطور أن الإمام كان مقاطعاً عبدالملك ، أو أن مقاطعته ليست مجرّد عزلة أو مقاطعة عابرة ، وإنّما مقصودة ومتعمّدة ، وتعبّر عن موقف سياسي وإعراض متعمّد مع سبق الإصرار ، ولعلّها أظهر أشكال الجهاد السياسي واتخاذ الموقف السياسي في حدود المعروف أو المسموح به في ذلك العهد...
كما أن قول عبدالملك : (إنّي لست قاتل أبيك) يتضمّن الغلظة ويوحي بالتهديد والتوّعد والإرهاب. فيما كان ردّ الإمام : « إن أحببت أن تكون هو فكن » يعبّر عن تحدٍّ سافر لسلطة خليفة متجبّر لا يمنعه فعل أي شيء ، بما في ذلك القتل وسفك الدم ، وفي ذلك دليل قاطع علىٰ أنّ الإمام عليهالسلام لم يكن في هذه المرحلة ذلك الوديع الموادع ، المنعزل عن الدنيا ، المشغول بالدعاء والعبادة ، البكّاء الحزين ، وإنّما المواجه ، المنازل ، الشديد ، القاطع ، المقاطع ، المتحدي ، العنيف الذي لا يخشىٰ الإرهاب ولا يرهبه استخدام الطغاة عصاهم الغليظة ، أو تلويحهم بهراوات الإهانة أو التصفية أو الموت...
وهكذا كان موقفه عليهالسلام مع عبدالملك هذا في قصة سيف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الموجود عنده ، والذي حاول عبدالملك استفزاز الإمام عليهالسلام بطلب ذلك السيف أو استيهابه منه أو أخذه منه ، لما فيه من رمزية يمكن
_______________________
(١) بحار الأنوار ٤٦ : ١٢٠. وإثبات الهداة / الحر العاملي ٣ : ١٥.