استمرت إمامته أربعةً وثلاثين سنة ، عاصر فيها مُلك يزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان ، وتوفي مسموماً ـ حسب أكثر الروايات التاريخية ـ في عهد الوليد بن عبدالملك بن مروان (١) ، وذلك في النصف الأول من شهر محرم الحرام سنة خمس وتسعين للهجرة ، وقيل قبل ذلك أو بعده بقليل...
عاش حوالي سبعاً وخمسين عاماً ، قضىٰ بضع سنين منها في كنف جدّه علي بن أبي طالب عليهالسلام ثم نشأ في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين عليهماالسلام سبطي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واستقىٰ علومه من هذه المصادر الطاهرة.
برز علىٰ الصعيد العلمي والديني ، إماماً في الدين ومناراً في العلم ، ومرجعاً ومثلاً أعلىٰ في الورع والعبادة والتقوىٰ حتىٰ سلّم المسلمون جميعاً في عصره بأنّه أفقه أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم... فقال الزهري ، وهو من معاصريه : «ما رأيتُ قرشياً أفضل منه» ، وقال سعيد بن المسيّب وهو من معاصريه أيضاً : «ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين» ، وقال الإمام مالك : «سمي زين العابدين لكثرة عبادته» ، وقال سفيان بن عيينة «ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه» ، وعدّه الشافعي أنّه : «أفقه أهل المدينة».
وقد اعترف بهذه الحقيقة حكام عصره من بني أمية أنفسهم ، رغم ما بينه وبينهم من عداوة وخصومة ، فقال له عبدالملك بن مروان يوماً : «لقد أوتيت من العلم والدين والورع مالم يؤته أحد مثلك قبلك إلّا من مضىٰ
_______________________
(١) الاتحاف بحب الأشراف / عبدالله الشبراوي الشافعي : ١٤٣ ، دار الذخائر للمطبوعات.