وهما يحملان بلاغة علي وعنفوان الحسين وعزّة العباس ، ليقولا بكلام عربي فصيح ومواجهة كلامية حادّة بينهما وبين الطاغية عبيد الله بن زياد ، قولاً لا يمكن أن يقوله ثائر مغلوب منكسر في مثل موقعهما وموقفهما وأمام هذا الطاغية الذي مازال يقطر سيفه من دماء المجزّرين في رمضاء كربلاء من أهل بيت النبوة..
يلتفت ابن زياد لزينب وهي جالسة حزينة منكسرة وقد صدّت بوجهها عنه فيقول : «من هذه الجالسة ؟» فلا تكلّمه ، ويكرّر فلا تكلّمه ، فيعيد ثالثة وهي مصرّة لا تكلّمه ، حتىٰ يقول بعض إمائها : «هذه زينب بنت فاطمة».
فقال لها ابن زياد : «الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أُحدوثتكم».
فتقول عليهاالسلام : « الحمدُ لله الذي أكرمنا بمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول (أنت) ، وإنّما يُفتضح الفاسق ، ويكذّب الفاجر ، وهو غيرنا ياابن مرجانة.. ».
فقال : «فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتكِ ؟» ، قالت : « قوم كُتب عليهم القتل فبرزوا إلىٰ مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده.. » فغضب بن زياد (واستشاط) وقال : «قد شفىٰ الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك» ، فبكت وقالت : « لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرتَ أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيتَ ... » (١).
_______________________
(١)
جميع هذه النصوص وردت في كتاب «الكامل في التاريخ ، ابن الاثير ٣ : ٤٥» وفيها