وإشراقات يفجّرها الإمام ببيانه وبلاغته وصدق مناجاته ، ويحشدها حشداً علىٰ امتداد أدعية الصحيفة وكلماتها... وهو يقول : « إلهي اسكنتنا داراً حفرتَ لنا فيها حُفَر مكْرِها ، وعلّقتنا بأيدي المنايا في حبائل غدرها ، فإليك نلتجىء من مكائد خدعها ، وبك نعتصم من الاغترار بزخارف زينتها ، فإنّها المهلكة طلّابها ، المُتلفة حُلّالها ، المحشوّة بالآفات ، المشحونة بالنكبات.. إلهي فزهّدنا فيها وسلّمنا منها بتوفيقك وعصمتك ، وانزع عنا جلابيب مخالفتك ، وتولّ أمورنا بحسن كفايتك.. ».
٥ ـ كان لابدّ للإمام وهو يرىٰ انتشار وباء التكالب علىٰ الدنيا وشهواتها ، وانتشار ظواهر التحلّل والميوعة والفساد ، أن يبحث عن لقاح مضاد نافع لكبح تيار الانحلال هذا ، وتعليم الناس أنّ الدنيا ليست كلّ شيء وإنّما وراءها يوم آخر غيّبته السياسة ، وأنّ ذلك اليوم هو خير وأبقىٰ لمن ألقىٰ السمع وهو شهيد ، فكان عليهالسلام يقتنص الفرصة تلو الفرصة لتأكيد هذا المعنىٰ في نفوس الناس.
روي عن الإمام الباقر عليهالسلام واصفاً عبادة أبيه أنّه قال :
« لم يذكر أبي نعمة لله إلّا سجد ، ولا قرأ آية فيها سجدة إلّا سجد ، ولا دفع الله عنه سوء إلّا سجد ، ولا فرغ من صلاة إلّا سجد ، ولا وفّق لاصلاح بين اثنين إلّا سجد.. » (١).
ويُروىٰ عنه عليهالسلام أنّه حين كان يخرج مع الناس في بعض المنازل كان يصلّي ويسبّح في سجوده ، ويبكي حتىٰ تبتلّ لحيته بدموع عينيه وهو يقول : « يامن تُحلُّ به عُقد المكاره ، ويا من يُفتأ به حدّ الشدائد ، ويا من يُلتمس منه المخرج إلىٰ روح الفرج. ذلّت لقدرتك الصعاب ، وتسبّبت بلطفك
_______________________
(١) معاني الأخبار / الصدوق : ٢٤.