وأصّل مدرسة نموذجية فريدة تهتم بالفعل قبل القول ، وبالتجسيد قبل التنظير ، وبالانفعال الصادق قبل التفاعل والتفعيل والشعارات الكاذبة.
ومع ذلك يمكن القول أن أعظم ما وصلت إليه البشرية اليوم هو ترسيخ مبادىء حقوق الإنسان ، ونشر ثقافة الحقوق ، وأدب الحقوق ، وإن بقيت الفاصلة شاسعة بين الواقع والادّعاء ، إلّا أن الجهد البشري استطاع مشكوراً طبعاً أن يعمّم هذه الثقافة ويدعو إلىٰ تطبيقها علىٰ الأمم والشعوب ، ويؤسس لذلك وعبر عشرات الاعلانات العالمية لحقوق الإنسان وعشرات المؤتمرات التي تدعو الإنسان وتناشده احترام أخيه الإنسان والاعتراف بحقه في الحياة الحرة الكريمة...
ولمّا مررنا مروراً سريعاً علىٰ ما سمّاه البعض (زبور آل محمد) أي الصحيفة السجادية للإمام السجاد عليهالسلام ، وقرأنا عمق العلاقة التي حاول رسمها أو شدّها هذا الإمام العظيم بين الإنسان وربه ، فاننا نمرّ الآن مروراً سريعاً أيضاً علىٰ البعد الآخر الذي حاول الإمام ترسيخه عبر نظرية حقوقية متكاملة ، أو رسالة حقوقية يمكن اعتبارها بحقّ ديباجة لكلِّ وثائق وإعلانات حقوق الإنسان في العالم ، وإن كانت جاءت قبل هذه الوثائق العالمية بأكثر من ألف عام...
أي إنه عليهالسلام كان موفّقاً هنا أيضاً ، حين لم يكتفِ برسم معالم العلاقة وحدودها بين الإنسان وربه ، وإنّما راح يُنظّر للعلاقة المهمة الاُخرىٰ بين الإنسان وأخيه الإنسان ، ويضع مواد قانونية يمكن اعتبارها بحق أيضاً أجمل وأعظم وأمتن ما كُتب حول الحقوق ورسالات الحقوق وثقافة الحقوق.