أولاً ، ولأنّها جاءت من فوق الإنسان وليس من داخله ، ولأنّها اهتمت بالطرح المفاهيمي دون التأكيد علىٰ المصاديق ، وأكدت علىٰ الحكومات والشعوب دون النظر إلىٰ الفرد والنفس البشرية ، أي عكس ماقاله أو فعله الإمام زين العابدين عليهالسلام صاحب رسالة الحقوق هذه ، الذي اهتم بسريرة الإنسان ودخيلته ، وعلاقته مع ربّه ، وصولاً إلىٰ عملية التغيير الكبرىٰ في إطار الاُمّة والمجتمع...
فهو عليهالسلام حين يقول مثلاً : « إنّ أفضل الجهاد عفّة البطن والفرج » فإنّما يدعو إلىٰ ترسيخ أعظم القيم في النفوس ، أي إلىٰ تهذيب هاتين الشهوتين اللتين بسببهما تُعلن الحروب وتنشب المعارك وتُرفع رايات الاقتتال علىٰ مستوى الأفراد والشعوب...
وهو حين يؤكد علىٰ حقوق أهل الذمة وأن (يُقبَل منهم ما قبله الله عزَّ وجلّ) ويمارس ذلك واقعاً وسلوكاً ، فانما يدعو إلىٰ احترام الإنسان مهما كانت ديانته ومعتقداته وبعيداً عن الشعارات التي يرفعها الحكام وأدعياء حقوق الإنسان للاستهلاك والتسويق السياسي بكل صوره وألوانه المحلي والعالمي ، القطري والإقليمي ، القومي والوطني.
ومن جانب آخر ، فإنّه عليهالسلام حين يجسّد الحلم والتواضع والعفو وحب العلم والعلماء بمصاديق عملية واضحة ، مقروءة ومرئية ومسموعة ، فإنّما يقصد من وراء ذلك ، وضع اللوائح القانونية والمواعظ والشعارات والتوجيهات موضع التنفيذ ، وإلّا فلا قيمة لتسويد عشرات الصفحات ، أو كتابة مئات الإعلانات ما دامت باقية حبيسة المدوّنات وأسيرة الأراشيف المغبرة التي لا وجود لها علىٰ أرض الواقع...